الجمعة، 25 يونيو 2010

من شهدي عطية الشافعي إلي خالد محمد سعيد
في الثالث عشر من يونيو 1960 و من وراء أبواب الزنازين المغلقة في معسكر التعذيب الشهير أوردي أبو زعبل سمعنا –نحن المعتقلون- صرخات الضباط الجلادين يصدرون أوامرهم لتنهال العصي علي جسد شهدي عطية الشافعي حتى أسلم الروح، و ورد في التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة وسلطات السجن أن وفاته قد حدثت من جراء سقوطه من أعلي سلم السجن حال دخوله، و لكن حين تم فتح التحقيق من جديد بعد أن تسرب خبر القتل كشف التحقيق الجديد عن حقيقة مختلفة تماما: أن شهدي قد توفي بليمان أوردي أبو زعبل نتيجة اعتداء رجال الشرطة عليه بالضرب.
جرت تلك الوقائع في 15 يونيو 1960 أي منذ نصف قرن بالتمام و الكمال و بينما يستعد رفاق شهدي عطية الشافعي لإحياء ذكراه، يشاء القدر أن تحدث واقعة قتل المواطن الشاب خالد سعيد الذي لم يتجاوز الثامنة و العشرين في 7 يونيو 2010 ربما ليجسد الفارق بين الواقعتين مسيرة ثقافة التعذيب في بلادنا.
كان شهدي مناضلا سياسيا معارضا للدولة و كان اعتقاله و تعذيبه بأوامر من السلطة المركزية التي استطاعت –حين أرادت- أن تصدر قرارا بإيقاف نوع محدد من أنواع التعذيب الذي اختارت له تعبيرا رقيقا هو "الإكراه البدني، بينما كان خالد سعيد شابا مصريا "عاديا" لم يعرف عنه انتماء سياسي يثير حقد النظام و غله؛ و بالتالي فمن المستبعد أن يكون قرارا قد صدر بتعذيبه من السلطة المركزية، و ذلك هو الأخطر فيما نري.
و بينما انتشر نبأ مقتل شهدي من خلال نعي سربته أسرته في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام، فإن مقتل خالد سعيد انتشر فورا بالصوت و الصورة عبر أركان المعمورة. لقد تغير العالم من حولنا عبر ثورة الاتصالات و شاهد الجميع تفاصيل ما حدث، غير أن الشيء الذي لم يتغير هو أسلوب تعامل السلطة المحلية و المركزية علي السواء: الضحية هو المسئول عما حاق به: "خالد محمد سعيد توفي نتيجة ابتلاعه كمية من المخدرات عندما اقتربت منه الشرطة".
و بينما وقعت جريمة قتل شهدي عطية في معسكر للتعذيب بعيدا عن الجماهير؛ فقد جرت واقعة قتل خالد سعيد أمام أعين العديد من المواطنين، و دفع صاحب مقهى الإنترنت بالمخبرين و بضحيتهم خارج مقهاه حرصا علي استمرار العمل بينما المخبرون يسحبون ضحيتهم للخارج باعتبار أن ما جري أصبح من الأمور المعتادة، كذلك فقد أورد شهود العيان أنهم استرحموا الجلادين ليكفوا عن عملية القتل فزجروهم فابتعدوا. لقد تعمقت ثقافة التعذيب إذن لتصبح ثقافة جماهيرية بحيث أصبح موقفنا من التعذيب موقفا سلبيا و ردود فعلنا المباشرة ردودا خافتة، فضلا عن أن ممارسة التعذيب لم تعد تحتاج إلي أوامر محددة من السلطة المركزية.
تري هل وقعنا جميعا في غواية العنف بوجهيها: ممارسة العنف و الاستسلام له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق