الخميس، 27 يناير 2011

النص الكامل لمقال أصداء الانتفاضة التونسية - الأهرام 27يناير 20011

أصداء الانتفاضة التونسية[1]
د. قدري حفني
kadrymh@yahoo.com
لم يكن غريبا أن تتصدر أنباء الانتفاضة التونسية الواجهة الإعلامية في عالمنا العربي، و لا أن تبادر السلطات العربية علي تنوع مشاربها إلي تأكيد أننا "نحن مختلفون عن تونس" و هي مقولة صحيحة بالتأكيد و لكن دون عزلها عن سياقها العلمي. لقد أعادني ذلك الجدل إلي تذكر مقرر يعرفه دارسو علم النفس تحت عنوان "الفروق بين الأفراد و الجماعات". و كان جوهره هو استحالة وجود فرد يتطابق مع الآخر تماما من حيث الخصائص البدنية أو القدرات العقلية أو السمات النفسية أو الاجتماعية، و استحالة وجود فرد يختلف عن بقية البشر تمام الاختلاف. فالقول بأن ثمة ما يجمع البشر جميعا قول صحيح علميا، و كذلك القول بأن لا مجال لتطابق بين فرد و آخر. و لا تختلف تلك الحقيقة العلمية في جوهرها بالنسبة للفروق بين الجماعات حيث لا توجد جماعتين متطابقتين تماما في كافة الخصائص الاجتماعية أو النفسية أو التاريخية أو الاقتصادية، كما أنه لا توجد جماعة تختلف عن بقية البشر تماما. و من ثم فكما أن هناك قوانين علمية تحكم سلوك الأفراد و تمكننا من التنبؤ بذلك السلوك بقدر يزيد أو يقل من الدقة تبعا لمساحة الفروق الفردية، فالأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للجماعات من حيث وجود قوانين علمية تخضع لها حركة الجماعات و تفاعلاتها. و من هنا فإن القول بأن الحالة المصرية تختلف تماما عن الحالة التونسية، لا يقل خطأ عن القول بأن حالتنا تتطابق تماما مع الحالة التونسية أو مع أية حالة أخري.
حالتنا تختلف بالفعل عن الحالة التونسية من حيث عدد السكان و تنوعهم و اتساع الرقعة السكانية و كذلك في ارتفاع سقف النقد للسلطة سواء في إعلام القطاع الخاص أو "الإعلام القومي" فضلا عن ساحات الإنترنت و التويتر و الفيسبوك، و تختلف حالتنا أيضا في أن الاعتصامات و المظاهرات الاقتصادية و السياسية بل و الدعوة إلي العصيان المدني ليست بالغريبة علينا خاصة في الحقبة الأخيرة.
نحن نختلف إذن عن تونس في كل ذلك، و لكن بالمقابل يجمعنا بتونس كما يجمع العديد من دول العالم وجود ظواهر الشكوى من البطالة و الغلاء و الفساد إلى آخر تلك المشكلات، و لا يمكن أن نتصور متعطلا سعيدا ببطالته و آخر شقي بها، و لا فرق بين مشاعر من يكويهم الغلاء أو الفساد في أي مكان في العالم. يجمعنا بتونس أيضا و ببقية الدول العربية خاصة ذات النظام الجمهوري أن شفافية و نزاهة الانتخابات و ما يترتب عليها من إجراءات لتداول السلطة تحيط بها الشكوك رغم وضوح النصوص الدستورية القانونية و رغم تصريحات المسئولين.
الانتفاضة التونسية إذن لا تطرح علينا أجندة جديدة تجعلنا نكتشف ما كان مغيبا عنا من مشاكل، و لا هي تطرح أسلوبا جديدا في الاحتجاج لم نجربه من قبل. و لكن الجديد فيما جري في تونس يتلخص في عدة أمور لعل أهمها: أن ما جرى لم يكن استجابة لدعوة من حزب أو مجموعة من الأحزاب السياسية بل بدأ باحتجاج محدود علي البطالة و الشعور بالقهر، واجهته السلطة بإطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين، مما أدي إلي انتشار الاحتجاجات و صمود المتظاهرين في الشوارع و توالت أحداث الانتفاضة.
تري هل يمكن و الأمر كذلك أن يزعم أحد أننا لم نتأثر بما جري في تونس؟ أليس منطقيا و مفهوما أن تخشي السلطة تكرار ما حدث؛ إذا لم يكن حرصا علي الذات فحرص علي الوطن؟ أليس منطقيا و مفهوما أيضا أن تبدو الانتفاضة التونسية مغرية للعديد من تنظيماتنا السياسية المعارضة لدعوة الفقراء و العاطلين للنسج علي منوالها فلعل و عسي؟
إن الخوف من الخطر إذا ما بلغ بقيادة جماعة ما مبلغه فإنها تجد نفسها حيال عدد من الاختيارات: تجد نفسها في البداية حيال المفاضلة بين غواية إنكار الخطر و تجاهله و التعالي عليه ماضية في سبيلها مستمتعة بطمأنينة قد تكون وقتية زائفة؛ و بين الاعتراف داخليا علي الأقل بوجود ذلك الخطر موضوعيا، و في هذه الحالة الأخيرة تتخذ ما تراه مناسبا من وجهة نظرها لدرئه: كأن تبادر مثلا بتأكيد قبضتها الحديدية علي الشارع، أو أن تبادر باتخاذ خطوات استباقية لتلبية بعض المطالب الجماهيرية الملحة و المؤجلة، أو أن تتراجع عن اتخاذ مثل تلك الخطوات خوفا من تفسيرها علي أنها دليل ضعف يغري بمزيد من الاحتجاجات، أو أن تبادر بإغلاق تلك النوافذ الإعلامية أو علي الأقل إجبارها علي تخفيض سقفها النقدي.
لعلنا نلاحظ أن السلطة في بلادنا فد اتخذت مؤخرا عدة قرارات بتعيين عاملين جدد خاصة في وزارتي التعليم و البترول، و أن السقف النقدي الإعلامي ما زال كما عهدناه قبل ما جري في تونس. و لكن تبقي قضيتان:
أولا: تري هل يمكن التشكيك في أن ذلك السقف النقدي المرتفع للإعلام المصري تعبير حقيقي عن مكسب ديمقراطي للشعب المصري؟ و القول كما يردد البعض بأنه مجرد وسيلة سلطوية لتلهية الجماهير و إتاحة الفرصة أمامها للتنفيس؟ و للحقيقة فقد عرف التاريخ نماذج عديدة لنظم حاولت أن تلهي شعوبها عن مشكلات الخبز و الحرية بافتعال معارك وهمية قد تتخذ طابعا ديماجوجيا وطنيا أو قوميا أو حتى رياضي؛ و لكن التاريخ لم يعرف قط فيما نعلم أن سلطة تلهي شعبها بدفعه للحديث عن محظورات فتكون آنذاك أشبه بمن يلعب بالنار؛ فالحديث العلني عن الفساد و الفقر و البطالة لا يؤدي بحال إلي شيوع حالة من الهدوء و الرضي عن السلطة بل العكس هو الصحيح.
ثانيا: إن قرارات تعيين العاملين التي صدرت مؤخرا لا تقضي علي مشكلات الفقر و البطالة. و لكن تري هل تكون بداية لإعادة النظر في معالجة مشكلات الجماهير؟ هل تكون مبررا لتعطيل خطط التنمية التي تعاني أصلا من التباطؤ؟ هل يمكن تفسير المضي في طريق المزيد من الاستجابة للمطالب الشعبية باعتباره مؤشرا علي ضعف السلطة و خوفها؟ أم أن يسود التفسير العلمي و الصحيح للأمر باعتبار أن استجابة السلطة لمطالب الجماهير بل و انحناءها علنا أمام تلك المطالب شرف لا يدانيه شرف؟

[1] "النص الكامل" الأهرام، 27 يناير 2011

السبت، 1 يناير 2011

كنيسة القديسين أول عام 2011

أحس بألم يعتصرني خلال متابعتي لجريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية؛ و أحس بمسئولية شخصية و عجز شديد بحكم انتمائي للغالبية العددية المسلمة التي تنتمي إليها السلطة في بلادي و التي تتحمل منطقيا بحكم موقعها المسئولية الأولي عما جري حتى لو لم تكن هي الفاعلة المباشرة، و أحس بخجل عميق لانتماء أولئك القتلة المجرمين و المحرضين لديني الذي أعتز بالانتماء إليه، و لا أستسيغ القول الذي يردده الكثيرون بأنه مصابنا جميعا؛ قد يكون ذلك صحيحا علي المستوي الشخصي بالنسبة للبعض و أنا منهم، و لكن علي مستوي جمهور الجماعة المسيحية المصرية فلا شك أن الألم أعمق و المرارة أشد في وقت أصبح فيه الممسك بانتمائه المصري كالممسك بالجمر.
تري هل أتجاوز الحدود إذا ما تمنيت للجميع عيد ميلاد مجيد أرجو أن يكون سعيدا رغم كل ما جري و يجري