الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

الأمن القومي في خطر



المصور، 28 نوفمبر 2012
حوار عبداللطيف حامد
الأمن القومي في خطر
يحذر د. قدري حفني أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس من حالة الانقسام السياسي في الشارع المصري علي الأمن القومي نظرا لشق الصف الوطني في ظل تبادل الاتهامات بين مختلف القوي السياسية بحثا عن مصالح حزبية ضيقة دون وضع المصلحة العليا للبلاد في الاعتبار مما يفتح الباب أمام العاملين علي العبث بالأمن القومي داخليا و خارجيا خصوصا في سيناء التي تقع بين مطرقة إسرائيل و سندان الجماعات الجهادية المتطرفة مؤكدا خشيته من تغييب القانون علي غرار الصراع الدائر بين الرئاسة و القوي الرافضة للإعلان الدستوري و أيضا بين المحكمة الدستورية من جهة و تأسيسية الدستور و الشوري من جهة أخري لأن ذلك سينتقل لا محالة من الشأن السياسي إلي الخلاف بين الأفراد، و رفض أحكام القضاء و هذه بداية الفوضي التي لا يعلم مداها إلا الله. في الوقت نفسه يحمل الرئيس محمد مرسي مسئولية لم الشمل الوطني لتحصين الأمن القومي
كيف ترى المشهد السياسى الحالى؟
المشهد الحالى مخيف ولكن المشكلة أن الرئيس مرسى هو بحق أول رئيس منتخب انتخابا حر من الشعب ولأنه كذلك فهو رئيس مؤسس، وما يفعله من الممكن أن يكون سابقة تاريخية يقتدى بها من يأتى بعده،  وثورة يناير منذ البداية اختارت طريق الإلتزام بالقانون مما أكسبها احترام العالم كله والرئيس نفسه اتخذ بعض القرارات وتراجع عنها بشجاعة احتراما للقانون وهو أمر يحسب له.
على ما يبدو أن تحصين قرارات الرئيس من الطعن هو لب الخلاف؟
بصرف النظر عن الإعلان الدستورى الأخير فإن كتابة المواثيق لا تقوم على حسن الظن، ورغم أننى اثق فى الرئيس لكن لابد من طرح السؤال لماذا تحصين قراراته التى صدرت أو التى ستصدر فى غياب البرلمان خاصة أننا لدينا فكرة سيئة عن تحصين القرارات وكافة ما تم تحصينه من قبل انهار بداية من قرارات مجلس قيادة ثورة يوليو وبعض مواد دستور 71 فنحن نشعر بقلق حين يتم تحصين أى قرارات.
هل هناك مصدر إزعاج أخر فى هذا الإعلان الدستورى؟
بصراحة أنا شخصيا فوجئت أن الإعلان الدستورى الأخير أشبه بحالة طورائ مؤقتة رغم أن الرئيس أعلن أنه لن يصدر حكما ظالما لكن المادة السادسة من الإعلان الدستورى والخاصة بقانون حماية الثورة تتيح إلقاء القبض على أى شخص وإعتقاله لمدة ستة أشهر،
وبصراحة مدة الستة أشهر تعنى أن التصويت على الدستور سيتم والسيف مسلط على رقاب الجميع وكذلك انتخابات مجلس الشعب القادمة وهنا ما الذى يضمن عدم إلقاء القبض على أحد المرشحين وفق هذا القانون خصوصا أنه لا يمكن الطعن على قرار القبض عليه.
ولكن الرئيس قال إن تحصين القرارات هدفه تحصين الأمة فى حالة تعرضها لخطر ؟
هذا حقيقى لكن ماذا عن المحتشدين فى ميدان التحرير وهل يعرضون الأمة لخطر أم لا خصوصا مع إعلان نحو 15 حزب وحركة التظاهر والإعتصام فى ميدان التحرير لكن دعنا نتأملهم فقد يكون بعضهم مخطئين لكن منهم غالبية الذين نافسوا الرئيس مرسى فى الإنتخابات وبعض ممثلى النقابات، وهنا نحن لا نتحدث عن أفراد ولكن ممثلين وجماعات فليس من المعقول أن يتم تحصين تأسيسية الدستور فى الوقت التى ترفضها العديد من الفئات منها الصحفيين والمرأة والعمال والفلاحين والكنيسة خصوصا أنه لا يمكن تعويض هؤلاء الأعضاء من خلال الإحتياطى فليست الأمر مجرد استكمال الشكل القانونى مما يجعل الرئيس مطالبا بأن يضع فى الإعتبار لم شمل الوطن حفاظا على الأمن القومى.
طالما أن هذا هو الواقع علي الأرض، هل الأمن القومى فى وضعه الطبيعى أم يتعرض للخطر؟
بالتأكيد هناك مهددات خطيرة للأمن القومى المصرى على رأسها شق الصف الوطنى، وتبادل الإتهامات بين مختلف القوى والتيارات السياسية.
ما هى تداعيات هذه الحالة فى رأيك؟
يكفى هنا ردود الأفعال التى صدرت من الولايات المتحدة وفرنسا والإتحاد الأوربى بشأن القرارات الأخيرة للرئيس مرسى، والقول بأنها لا تتماشى مع مطالب ثورة 25 يناير، ولابد من تصحيح المسار، وهذا يؤكد أن شق الصف الوطنى لو اتسع فى ظل تمسك كل فريق بموقفه ستزيد الضغوط الخارجية، والتدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية إلى جانب تجاهل القانون والإحتكام للقوة فى حسم الخلافات السياسية.
هل القانون غائب فى مصر خلال الفترة الأخيرة ؟
أخشى أن يكون القانون مغيبا على غرار الصراع الدائر بين الرئاسة والقوى الرافضة للإعلان الدستورى، وأيضا بين المحكمة الدستورية من جهة وتأسيسية الدستور والشورى من جهة أخرى ، وينتقل الأمر من الخلاف السياسى إلى الخلاف بين الأفراد، ورفض أحكام القضاء مما يتيح الفرصة لبعض الدول الغربية أن تتدخل، وتعتدى على سيادة الدولة بحجة حماية قناة السويس والحدود مع اسرائيل.
على من تقع مسئولية الخروج من هذا المأزق الذى يضر بالأمن القومى المصرى؟
لم الشمل الوطنى مسئولية الرئيس مرسى بالدرجة الأولى، فلا يقتصر دوره على حماية الداخل فقط لكن لابد من حماية الأمن القومى خارجيا، فنحن لسنا وحدنا فى هذا العالم، وهناك كثيرون يتربصون بأمننا القومى.
البعض يرى أن الجبهة الداخلية لا تخدم صالح الأمن القومى بسبب كثرة الإضرابات، وحالة الإنقسام فما رأيك؟
ليس صحيحا أن كثرة المظاهرات والإضرابات تهدد الأمن القومى أو تعطل الإنتاج لأن أمريكا واسرائيل من أكثر الدول التى يحدث فيها ذلك، والطريق لقوة الجبهة الداخلية هو تبنى هدف وسياسة واضحة إلا إذا كان الإنقسام الوطنى مقصودا لشغل الناس عما يدبر بليل ضد الأمن القومى على الحدود.
الإشتباكات بين القوى السياسية مؤخرا يخيف البعض من حدوث حرب أهلية فهل ذلك ـ لا قدر الله ـ ممكن أن يحدث؟
القول الفصل لا يوجد شعب محصن ضد الحرب الأهلية لكن تاريخ مصر لا يشى بإمكانية حدوث حرب أهلية، خصوصا فى الأزمة الحالية فلا يوجد نزاع دينى بين المسلمين والمسيحيين، ولا يوجد صراع جغرافى بين الصعيد وبحرى بل مجرد خلاف سياسى .
إلى أى مدى أثرت التحولات السياسية بعد الثورة على نفسية المواطن المصرى؟
الثورة ساهمت فى حدوث ايجابيات وسلبيات لكن الأولى أكثر منها أن غالبية المصريين أصبحوا يشتغلون بالسياسة، وهذه الظاهرة لم أراها إلا فى لبنان وفلسطين، وهذا مكسب للبلد بعد فترة طويلة من تجنب المواطنين للعمل السياسى إلى جانب كسر حاجز الخوف من السلطة، وأى قرار لن ينال رضاء الناس سوف ينزلون فرادى وجماعات للتظاهر ضده، أما العيب يتمثل فى هيبة السلطة التقليدية " العصا والدرع " تراجعت، ولا مفر أمام الحاكم إلا تحصين نفسه بالعدل بين الناس ليشعروا بأن السلطة منهم ولهم فيدافعوا عنها.
هناك حالة من التشاؤم بين البعض خوفا على مستقبل البلد فما رأيك؟
أنا شخصيا قلق على مستقبل البلد فهناك خطر لكن يمكن مواجهته مهما كان الثمن الذى يحتاج لدفعه أما التشاؤم فلا محل له لأنه يعنى " مفيش فايدة" ويدفع الناس للإنتحار أو على أقل تقدير هجرة البلد.
البعض يستعجب من استمرار حالة الثورة دون التفرغ للإنتاج؟
هذا مجرد كلام نظرى لا دليل عليه، فالمظاهرات لا تعطل الإنتاج، ولا مانع من الثورة مع العمل، وهذا موجود فى الكثير من الدول، وأن شخصيا سألت بعض مسئولى المصانع فى مدينة العاشر من رمضان عن عدد المصانع التى ترك عمالها الإنتاج من أجل الإضرابات فأكدوا أنهم يعملون حفاظا على إجورهم إنما المشكلة فى نقص المكينات أو قطع الغيار المطلوبة أو أزمة السيولة .
كيف ترى تبادل اتهامات التخوين بين القوى السياسية وحتى الأفراد العاديين؟
هنا لابد من التفرقة بين الجدل السياسى والتخوين، فالأول صحى كل تيار أو شخص يدافع فيه عن وجهة نظره أما الثانى بمثابة عمالة ضد الوطن تستوجب الإعتقال والسجن، وما يحدث بيننا مجرد جدل سياسى لا خوف منه.
هناك من يرى أن تردى الأوضاع الاقتصادية يقود اابلد إلى ثورة جياع؟
هذه مبالغة لأن مفهوم الجوع بالمعنى الفنى ليس موجود فى مصر، فهو مجرد نقص فى الاحتياجات، وكل المصريين أغنياء وفقراء من الممكن لو طلب منهم محتاج نقودا يقولون له " ربنا يسهلك" لكن لو طلب رغيف عيش من المؤكد سيعطونه فورا مع وجود قدر من التضامن.
كيف ترى تحقيق العدالة الإجتماعية ؟
العدالة الاجتماعية ادراك ذاتى، فمن الواجب أن يشعر المواطن أنه أخذ ما يستحقه على غرار غيره دون تحيز، وأن توزيع الثروة لا يتم لصالح الأغنياء ضد الفقراء حتى لو كانت محدودة.
هل وصول التيارات الدينية يصب فى صالح الأمن القومى أم ضده؟
لا أرى أى مبرر للقلق من أى تيار جاء بالإنتخابات لأن هؤلاء اختارهم الشعب، ويجوز أن يصوتوا لهم أو ضدهم فى المرة المقبلة، فليس من المعقول أن اتقبل نتيجة الصنادية بشرط أن تأتى بمن يروق لى، كما أنه من الخطأ الشديد التعامل مع تيار أو جماعة على أنه سلة واحدة.
ما تأثير ما يحدث فى سيناء من وجود للجماعت الجهادية واستمرار التوتر على الحدود مع اسرائيل على الأمن القومى المصرى؟
ما يخيفنى بالنسبة لسيناء أنها ظلت خالية من السكان منذ عهد رمسيس الثانى وحتى الأن، وكأن هناك قرار أتفق عليه كل حكام مصر أن تظل سيناء خالية، والجميع يقول أنها صحراء، والترويج لفكرة أنها بوابة مصر الشرقية، مدخل الغزاة على غير الحقيقة فيتم تركها خالية استعدادا لحتمالية حروب قادمة رغم المشروعات المتعددة لتعميرها التى ضاقت بها الأدراج.
ما تفسيرك لهذا الأمر؟
يبدو أن هناك نظرة استراتيجية لسيناء مفادها اننا نتذكرها فقط عندما تتوتر العلاقات مع اسرائيل أو الجهاديين كما هو موجود مؤخرا رغم أن هذه النظرة تخدم اسرائيل لأن حلم إعادة إحتلالها مازال قائما لديها ولأن البشر هم جوهر الأمن القومى فى أى مكان فإن فراغ سيناء يتنافى مع هذا المبدأ.
هل تهديد الأمن القومى يقتصر على اسرائيل فقط؟
بالتأكيد لا لأن إهمال سيناء جعل أهلها يبادلون الدولة عدم الثقة ، إلى جانب ظهور الجماعات الجهادية المتشددة التى تضع الجنود فى حرج عند محاربتهم أنهم يرفعون شعارات لا إله الإالله  وخيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود.
فى رأيك كيف نواجه اسرائيل بما يخدم الأمن القومى انطلاقا من سيناء ؟
هناك عدة سيناريوهات منها استمرار تعاملنا مع سيناء على ما هو عليه بسياسة اللاحرب واللاسلم. و سيناريو ينطلق من ارضية ايدلوجية بسيطة وهى أن هؤلاء اليهود لا أمان لهم ونترجم ذلك بالغاء اتفاقية كامب ديفيد، وسعب اعترفنا فيها باسرائيل كدولة، وهذا يتفق مع المنطلقات الفكرية لكل التيارات الاسلامية على الساحة الآن، و سيناريو الإستسلام، وهو أمر غير مقبول، و من وجهة نظرى سيناريو السلام الهجومى وهو نقيض السيناريوهين الأول والثانى ويقوم على أن الإسرائيليون ليسوا سواء ولا يمكن أن أضع ماروخ جولد شتان صاحب مذبحة الخليل الذى أطلق النار على المصلين مع شارون الفتاة اليهودية التى وقفت أمام الدبابات الإسرائلية اعتراضا على هدم منازل الإسرائيليين، والسلام الهجومى يميز بين الناس ويستفيد من خبرة 25 يناير التى تؤكد أن التحرك الجماهيرى لا يستطيع أحد الوقوف أمامه، فليس من المعقول أن نقاطع اسرائيل ثقافيا وسكانيا فى حين نطبع إقتصاديا وعسكريا رغم أن هذين السلاحين"الثقافة والسكان "من أقوى الأسلحة المصرية، فلنتخيل مثلا لو قام نصف مليون مصرى من المسلمين والمسيحين بزيارة الأماكن المقدسة فى فلسطين حتى لو بتصاريح اسرائيلية وقتها سيكسرون "التابوه "الإسرائيلى ويروا أن هذا المجتمع به فقراء وأغنياء وناس تحت خط مستوى الفقر ، وإزالة الهالة الإسرائيلية الكامنة فى عقول المصريين وهذا السيناريو له ثمن  لابد من دفعه و هلي قمة هذا الثمن كسر المقاطعة مما قد يثير الشارع المصري.
من يملك تحديد السيناريو الذى يخدم الأمن القومى المصرى في هذا الشأن؟
لا جدال أن ذلك يقع على الرئيس المصرى وأمامه فرصة تاريخية لأن الرئيس السابق لم يكن صاحب هوى اسلامى وكان يمكن المزايدة عليه لو اتخذ قرار بهذا الشأن أما الرئيس المصرى فهو قادم من جماعة الإخوان ويحظى برضا كل التيارات الإسلامية وبالتالى هو يستطيع كسر هذا الحاجز ويختار السيناريو الذى يخدم الأمن القومى ومن وجهة نظرى هو سيناريو السلام الهجومى دون أن يتعرض لإبتزاز.
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق