الجمعة، 5 أغسطس 2011

صرخات قديمة لإنقاذ سيناء

صرخات قديمة لإنقاذ سيناء
قدري حفني
إن الاهتمام بمتابعة إنجازات ثورة يناير 2011، و ما تتعرض له تلك الإنجازات من تهديدات علي الصعيد الداخلي، لا ينبغي أن يصرفنا عن خطر داهم لا يهدد الثورة فحسب بل يهدد الوطن كله. إنه ذلك الذي يجري علي أرض سيناء.
لقد دفعني ما أحسه من خوف إلي التنقيب في أوراقي لأجد نماذج من تلك الصرخات القديمة لإنقاذ سيناء بل و لإنقاذ الوطن. تري هل ما زال ذلك ممكنا؟ بكل تأكيد و مهما كانت المصاعب
مقدمة
كان الموقف المصري من سيناء يقوم تاريخيا علي عدة تصورات إستراتيجية تدور حول أهمية سيناء للأمن القومي المصري، و طالما أن الأمن مسئولية رجال الأمن أساسا، فقد كان علي من يريد الذهاب لسيناء من المصريين أن يحصل علي عدة تصاريح من الأمن والجيش والشرطة وغيرها باعتبار سيناء بوابة أو منطقة مواجهة، و أنه من الضروري تقليل السكان المدنيين غلي خط المواجهة لتأمينهم من ناحية، و لإخلاء الساحة للتحركات الأمنية و العسكرية، و لقد حدث بالفعل و تطبيقا لتلك الإستراتيجية التي تقوم علي حماية البشر قبل حماية الأرض، أن تم إخلاء سكان القناة حماية لهم و إفشالا لرغبة إسرائيل في الضغط علي مصر.
مقابل هذه الإستراتيجية ثمة إستراتيجية أخري مطروحة للمناقشة تقوم علي أن الكثافة البشرية هي الحماية الحقيقية. و الحقيقة –فيما نري- أن الكثافة البشرية في حد ذاتها لا تعد حماية بشكل مطلق، فقد شهد التاريخ الحديث و القديم اجتياح العديد من المدن بل و الدول الآهلة بالسكان من باريس إلي برلين إلي لندن إلي فلسطين.
الكثافة البشرية قد تحول في ظل موازنات معينة دون احتلال الأرض لارتفاع تكلفة الاحتلال بشريا و ماديا، و لكنها لا تحول دون تدمير البنية التحتية و إنزال خسائر بشرية مروعة بالمدنيين، و لعل ما يجري في الأراضي الفلسطينية يمكن أن يكفينا مزيدا من التفصيل، , الأمر يتوقف في النهاية علي نوعية تلك الكثافة البشرية التي توكل لها مهمة حماية الأرض.
لقد كانت رغم أهميتها القصوى مجرد بوابة رغم أنها تشغل سدس مساحة مصر. و البوابات هامة دون شك و لكنها جغرافيا بل و نفسيا ليست في قلوبنا بل علي آخر حدودنا المكانية، و المسئولية عن بوابة المنزل توكل للحارس، و باب الشقة رغم أهميته نعبره مسرعين دون أن يعلق بذاكرتنا منه شيئ. بل لا نكاد نتذكر أيهما إلا عند حدوث سرقة أو اقتحام أو تعذر استخدام المفاتيح، ثم لا نلبث أن ننسي الأمر برمته. الأبواب مسئولية الحراس و رجال الأمن و صناع المفاتيح و الأقفال, و هي قابلة لتغيير مواقعها إذا ما استدعت الظروف، أما قلب البيت فهو مستودع الذكريات الشخصية و الجماعية.
لقد كانت سيناء عبر التاريخ جزءا من الأراضي المصرية، و لكنها لم تكن في الوعي المصري سوي بوابة موكل شأنها إلي الحراس، فلم نسمع قبل الاحتلال أن بها مناطق يمكن استثمارها في السياحة أو الصناعة أو الزراعة، و ظلت مناطق مثل دهب و نويبع و شرم الشيخ و طابا و غيرها مجرد مناطق "عسكرية"، لا يسكنها سوة عدة آلاف من البدو الذين تعذر إخلاءهم (أنظر: التنمية البشرية لسيناء قضية أمن قومي، الأهرام 12 يونيو 2008).
كان الموقف المصري من سيناء يقوم تاريخيا علي عدة تصورات إستراتيجية تدور حول أهمية سيناء للأمن القومي المصري، و طالما أن الأمن مسئولية رجال الأمن أساسا، فقد كان علي من يريد الذهاب لسيناء من المصريين أن يحصل علي عدة تصاريح من الأمن والجيش والشرطة وغيرها باعتبار سيناء بوابة أو منطقة مواجهة، و أنه من الضروري تقليل السكان المدنيين غلي خط المواجهة لتأمينهم من ناحية، و لإخلاء الساحة للتحركات الأمنية و العسكرية، و لقد حدث بالفعل و تطبيقا لتلك الإستراتيجية التي تقوم علي حماية البشر قبل حماية الأرض، أن تم إخلاء سكان القناة حماية لهم و إفشالا لرغبة إسرائيل في الضغط علي مصر.
مقابل هذه الإستراتيجية ثمة إستراتيجية أخري مطروحة للمناقشة تقوم علي أن الكثافة البشرية هي الحماية الحقيقية. و الحقيقة –فيما نري- أن الكثافة البشرية في حد ذاتها لا تعد حماية بشكل مطلق، فقد شهد التاريخ الحديث و القديم اجتياح العديد من المدن بل و الدول الآهلة بالسكان من باريس إلي برلين إلي لندن إلي فلسطين.
الكثافة البشرية قد تحول في ظل موازنات معينة دون احتلال الأرض لارتفاع تكلفة الاحتلال بشريا و ماديا، و لكنها لا تحول دون تدمير البنية التحتية و إنزال خسائر بشرية مروعة بالمدنيين، و لعل ما جري في غزة يمكن أن يكفينا مزيدا من التفصيل، فصحيح أن إسرائيل لم تحتل غزة، و لكنها ألحقت بالفلسطينيين كما غير مسبوق من الدمار البشري و المادي. الأمر يتوقف في النهاية علي نوعية تلك الكثافة البشرية التي توكل لها مهمة حماية الأرض. (أنظر: كيف نعمر سيناء، الأهرام 30 إبريل 2009)
لقد انتظرت الحكومات المصرية ثلاثة عشر عاما كاملة بعد التحرير لتعلن عن "المشروع القومي لتنمية سيناء" عام 1995، الذي كان هدفه الرئيسي أن يصل عدد سكان سيناء إلي ثلاثة ملايين نسمة، و أن تتم زراعة 400 ألف فدان في شمال سيناء بعد نقل مياه النيل عن طريق ترعة السلام، فضلا عن إقامة المشروعات الصناعية و السياحية، و تعطلت تلك الخطة و تعددت التفسيرات و تضاربت بشأن ذلك التعطيل و إن استمرت أصواتنا حكاما و محكومين تتصاعد مؤكدة ضرورة التنمية البشرية لسيناء و مؤكدة في نفس الوقت أن سيناء مستهدفة كما كانت عبر التاريخ باعتبارها البوابة التي يعبر منها الغزاة، و أنه ينبغي انتقال الملايين من الوادي إلي سيناء، بحيث يصبح شريطنا الحدودي مع إسرائيل هو البوابة التي تحميها قواتنا المسلحة إلي جانب الجماهير المصرية.
إن انتقال البشر التلقائي الجماعي من مكان لآخر يحكمه قانون مستقر هو البحث عن إشباع أفضل للاحتياجات المادية و المعنوية و الروحية، فيهاجر البشر من مناطق الكوارث و التهديدات بحثا عن الأمن، و يهاجرون من مناطق الفقر و البطالة بحثا عن الثروة و العمل، و يهاجرون من حيث تقيد حرياتهم الفكرية أو الدينية أو السياسية بحثا عن الحرية.
و في مقابل ذلك الانتقال التلقائي فثمة انتقال بشري مخطط يتم فيه نقل السكان وفقا لخطة مسبقة تراعي نفس القوانين، و قد عرفت البشرية عبر تاريخها نمطان لذلك النقل السكاني المخطط:
1 - نقل إجباري تقوم فيه الدولة بنقل المواطنين قسرا من مكان لآخر لاعتبارات تتعلق بحمايتهم، أو أن يتم انتقاء نوعية محددة من البشر للإقامة في أماكن تم إعدادها لاعتبارات إستراتيجية سياسية، و يعد هذا النمط الأكثر شيوعا بالنسبة لاستيطان أرض مهددة بهدف خلق واقع سكاني جديد قادر علي التصدي للمهاجمين و الدفاع عن الأرض. و لعل نموذج المستوطنات الإسرائيلية يجسد ذلك حيث يتم إعداد "المستوطنين" عقائديا باعتبارهم الرواد و الطلائع الأقدر علي حماية "الوطن" و التضحية في سبيله، دون أن يحول ذلك دون تحفيزهم ماديا.
2 – نقل اختياري يقوم علي توفير البنية الأساسية، ثم تقديم حوافز مادية و معنوية "لإغراء" السكان بالإقامة في هذه المناطق الجديدة "الواعدة" باعتبارها الأكثر أمنا و رخاء و استقرارا، كما هو الحال مثلا بالنسبة لمناطق القاهرة الجديدة.
و رغم أنه لا يمكن واقعيا بطبيعة الحال أن يقتصر المهاجرون إلي مناطق جديدة علي نوعية واحدة، فقد تجتذب الأرض الجديدة مغامرا أو مستثمرا، انتهازيا أو وطنيا، و لكن علي المستوي الإعلامي يتعذر منطقيا الجمع بين دعوتين في نقس الوقت؛ فالدعوة للاستثمار و تحسين الظروف المعيشية، تجتذب الأكثر رغبة و قدرة علي الربح و الاستثمار، و الأكثر احتياجا للعمل و الاستقرار، باعتبار أن سيناء تمثل الأمل للمصريين جميعا في الخروج من الوادي الضيق المكتظ بالسكان بحثا عن حياة أفضل. في حين أن الدعوة لتأمين الوطن و دفع المخاطر المتوقعة عنه تحتاج إلي إثارة الحماس الوطني، فضلا عن الانتقاء و الإعداد الفكري و العقائدي و النفسي لأولئك الأقدر علي حماية الوطن و الأكثر استعدادا و قدرة علي التضحية و التحمل. أما في حالة الترويج للهدفين معا فقد يؤدي ذلك إلي اجتذاب نوعية خاصة من الراغبين في الربح السريع، ممن يعتمدون في مشروعاتهم علي العمالة المؤقتة "المستوردة" من الوادي، بحيث يكونون دائما جاهزون لحمل حقائبهم و الرحيل عند حدوث أي تهديد.
إن تعمير سيناء بشريا بشكل حقيقي أمر مطلوب علي أي حال، و لكن نوعية ذلك التعمير ترتبط حتما باستقراء مستقبل استقرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. هل هي مهددة بالانهيار غدا؟ بعد عشرة أعوام؟ عشرون عاما؟ خمسون؟ بعد أمد فمن الخطورة بمكان أن يدفعنا الإلحاح علي ضرورة تعمير سيناء بشريا إلي ترسيخ صورة خاطئة عن سيناء باعتبارها أرضا مهجورة خالية من البشر، و بذلك نتجاهل قضية قائمة بالفعل تتمثل في الوجود البشري السيناوى.
إن لأبناء سيناء بحكم موقعهم الجغرافي علي الحدود سمات نفسية محددة يتصف بها عادة سكان المناطق الحدودية خاصة حيث لا توجد موانع طبيعية واضحة تفصل بين الوطن و الجيران سواء كانوا أعداء أو أصدقاء؛ و هي الحالة تحديدا بالنسبة لسكان الحدود المصرية الجنوبية مع السودان، أو الغربية مع ليبيا و كذلك حدودنا الشرقية مع فلسطين و إسرائيل.
و يضاف بالنسبة لأبناء سيناء خاصيتان تميزهم عن بقية سكان المناطق الحدودية المصرية:
الخاصية الأولي: أنه نظرا لعدم وجود موانع طبيعية واضحة تميز الحدود السياسية؛ فالأرض تبدو متصلة في وقت واحد مع غزة و مع إسرائيل؛ أي مع كيان عربي محتل، و مع كيان له مع مصر تاريخ من العداء طويل و إن كانت تربطه بمصر علاقة سلام موثقة.
الخاصية الثانية: أن إسرائيل قد احتلت سيناء مرتين؛ عام 1956 لفترة قصيرة، ثم من 1967 إلي إبرام معاهدة السلام و انسحاب إسرائيل عام 1982.
إن سكان المناطق الحدودية عموما يتميزون بما يطلق عليه "تنازع الولاء" و تزداد تلك الخاصية بروزا إذا كانوا يشكلون مجتمعا بدويا ترتبط عائلاتهم علي الجانبين بعلاقات أسرية كما هو الحال بالنسبة لأبناء سيناء؛ فإذا ما أضفنا إلي ذلك أن أبناء سيناء قد احتكوا مباشرة بالمجتمع الإسرائيلي خلال فترة الاحتلال، بالإضافة إلي احتكاكهم اليومي التاريخي بالمجتمع الفلسطيني، استطعنا تصور حجم المشكلة.
مدونات أبناء سيناء
تعد المدونات في العصر الراهن مصدرا هاما كثيرا ما نتجاهله في كتاباتنا العلمية، و يعد مضمون الكتابات في المدونات معبرا بدرجة أكبر عن حقيقة مشاعر أصحابها باعتبارها لا تخضع لقيود الرقابة التي يخضع لها العديد من الأدوات الإعلامية الأخرى. و لعله مما يستوقف النظر أن لأبناء سيناء ما يتجاوز مائة مدونة ضمها دليل لتلك المدونات ، و إن كان عددها الحقيقي قد يتجاوز هذا العدد بالفعل.
و قد بدا لي أن إطلالة علي بعض المدونات التي يكتبها أبناء سيناء تتيح لنا الاقتراب بطريقة مباشرة من همومهم و التي تركزت علي طبيعة العلاقة المتبادلة بينهم و بين الدولة .
أولا: الشعور بالمواطنة : الانتماء والولاء للدولة
في مدونة بعنوان "سيناء حيث أنا" نقرأ بتاريخ 17 مارس 2010
سيناء حيث أنا
"سأبدأ من حكاية طريفة عشت فصولها بنفسي ، حدث منذ فترة سنتين أو ثلاث لا أذكر على وجه التحديد أنه وفي أحد الكرنفالات القومية تم تسريب إشاعة بأن الرئيس وعد بتوزيع مساحة كبيرة من أرض ترعة السلام على أبناء سيناء بدو وحضر وتحديداً عن منطقة بئر العبد وأن المساحة التي ستوزع تتراوح بين 5 إلى 20 فدان ، فرح الجميع بالخبر وتوجهوا وتوجهت معهم إلى ديوان عام محافظة شمال سيناء ، فوجدت طوابير طويلة سألت عند الأوراق المطلوبة فقيل لي لا شيء فقط صورة البطاقة الشخصية أو الرقم القومي وطلب بتحديد المساحة المطلوبة، ما جعلني أتحمس للتقديم هو أن هناك موظفين في ديوان عام المحافظة كانوا يتقدمون بطلبات فقلت في نفسي: إذن فالموضوع جاد ولولا ذلك لما تقدم هؤلاء، أنفقت نصف نهار حتى وصلت أمام الشباك ، و قدمت الأوراق و كان كل ما طلبته 5 فدادين، قلت تكفي، اندهشت الموظفة فالجميع كانت طالباتهم 20 فدان، وضعت الطلب فوق تل عال من الطلبات لأنصرف وفي بالى كما في بال الكثيرين من أبناء سيناء حلم امتلاك قطعة أرض في ترعة السلام .
مضت الأيام والأسابيع والشهور والناس تسأل وتكون الإجابة: لا جديد انتظروا، الآن تأكد الناس أن ما كان ليس سوى وهم كبير، أما معظمهم بما فيهم أنا فقد ضحك في سره على سذاجته التي ورطته في أمر كهذا.
السؤال الأهم : لماذا توقف مشروع ترعة السلام ؟؟؟
عند بئر العبد توقف المشروع، أي عند المرحلة الثانية وكانت المبررات: أن المرحلة الثالثة ستحتاج تمويل كبير لمد المياه حتى السر والقوارير في وسط سيناء حيث 140 ألف فدان من أخصب أنواع التربة في العالم ، حيث كان من المقرر إنشاء 24 ترعة فرعية تصل إلى هناك ، قال البعض أن المنطقة أعلى وقال آخرون تكلفة الترع الفرعية .
و مع ترعة السلام كان هناك مشروع موازي أصيب هو الآخر بالسكتة هو قطار السلام الذي كان من المفترض أن يبدأ من عند معدية لفردان ويستمر حتى يصل إلى رفح المصرية مروراً ببئر العبد والعريش والشيخ زويد ، هذا المشروع توقف هو الآخر بالتزامن مع مشروع ترعة السلام عند بئر العبد، وهذا يؤكد أن تلك الحملة الضارية التي شنها الإعلام على ترعة السلام تحت دعوى أن مياه الترعة كانت ستصل إلى إسرائيل ما هي إلا حملة وجدت فيها الدولة فرصة أو ربما رعتها بنفسها لإحباط المشروع وتحويل ميزانيته إلى مشروع توشكي، إذن على حساب ترعة السلام بدأ العمل في توشكى وبقية القصة يعرفها الجميع .
أما الدراما الحقيقة فهي أن ترعة السلام التي تمر من سيناء لا نصيب يستحق الذكر فيها لأهل سيناء، حيث وزعت معظمها على كبار المستثمرين وفي الشرائح الرسمية لمن ستوزع عليهم أراضي الترعة لن تجدهم بين هذه الشرائح إذ لا وجود لهم ( توزع علي ثلاث فئات بالمجتمع الفئة الأولي كبار المستثمرين والشركات الكبرى للحصول علي 5000 فدان فأكثر. والفئة الثانية فئة القطاع الاستثماري المتوسط ومجموعات الأفراد والشركات الصغيرة للحصول علي 500 فدان فأقل. ثم الفئة الثالثة وهي فئة صغار المنتفعين من صغار المزارعين وشباب الخريجين والمسرحين من القوات المسلحة ومستأجري الأراضي القديمة ) ، كما أن التقسيم الإداري بعد ضم أجزاء من محافظة شمال سيناء إلى محافظتي بورسعيد والإسماعيلية ساهم بشكل كبير في هذه الدراما
كلمة أخيرة :
ملف ترعة السلام هو أهم الملفات التي يجب أن يعاد فتحها إذا كان يهمنا أمر سيناء وتنميتها ، فهو كما قلت قلب سيناء الذي نتمنى أن لا يصاب بالسكتة
لقد آثرنا نقل هذا النص كما ورد في المدونة بقلم صاحبه، و هو يشير بوضوح إلي وجه هام من أوجه تعثر العلاقة بين الدولة و أبناء سيناء، و كيف أن تعثر المشروعات يدفع إلي الشك في نوايا الدولة إلي حد اتهامها بتعمد إحداث ذلك التعثر. و يشير النص أيضا إلي أنه إذا كان ثمة استثمار في سيناء فهو في النهاية من نصيب سكان الوادي و أن السيناويون محرومون منه.
و يعد النظام التعليمي مجالا متميزا لمعالجة قضية الانتماء؛ باعتبار أن المدرسة تعد علي رأس ما يعرف بمؤسسات الصهر الاجتماعي بالإضافة للمؤسسة العسكرية و لمؤسسة الإعلام.
ثانيا: التعليم في سيناء
نقرأ في مدونة " سيناء حيث أنا" التي أشرنا إليها بتاريخ 2 مايو 2010:
تقريباً بعد ظهيرة كل يوم يداهمون المارة بزيهم المدرسي: “ عمو تشترى لبن بنص جنيه ” ، الذي لا يعرف سيعتقد أنهم يتاجرون في الحليب، لكن الكثير من أولياء الأمور يعرفون بل يلحون علي هذا ” ماذا استلمت اليوم؟؟ ” كيس حليب واحد أم كيسين"، و حكي لي أصدقاء ليس في الشيخ زويد وحدها حيث أعيش ولكن في أماكن عديدة ، في رفح و الجورة وفي البر وفي العريش وبئر العبد أن هذا المشهد ثابت تقريباً باختلافات قليلة هنا أو هناك . بعد أن صارت كل علاقة هؤلاء الصغار بمدارسهم هي التغذية المدرسية لتتراجع الأهداف الأخرى أمام هذا المظهر التافه .
في مقابل هذا يحكي آخرون أنه أيام الاحتلال وما قبله أنهم كانوا يقطعون أكثر من عشرة كيلومترات كل صباح للذهاب إلى مدارسهم، بعضهم كان يغترب في سن مبكرة ” في المرحلة الإعدادية عن ديرته ( مكان عشيرته أو قبيلته ) لندرة المدارس والمدرسين الذين كان أغلبهم من قطاع غزة ، ظروف قاسية لكنها على الرغم من ذلك خرجت أطباء ومهندسين ومدرسين، أحد أصدقائي وهو طبيب كان الأول في الترتيب على قطاع غزة وسيناء في المرحلة الثانوية أثناء الاحتلال، ما الذي حدث إذن ؟؟ ما الذي تغير ؟؟ نعم هناك العديد والعديد من المدارس لدرجة أن بعض المدارس في الأماكن الصحراوية يزيد فيها عدد المدرسين عن عدد التلاميذ !!! ، كثير من المدارس هنا في سيناء فتحت عن طريق المعونة الأمريكية وهذا موضوع معقد من الصعب استبعاد رائحة تلاعب فيه، ما الذي جعل الأمور تصل إلى هذا الحد المفرط في عبثيته على الرغم من توافر إمكانيات وجود تعليم جيد في سيناء ، هنا لا أنكر بعض الظواهر الايجابية ، في منطقة بئر العبد على سبيل المثال ثمة أمثلة مشرفة على ارتفاع مستوى التعليم وتراجع الأمية، في مناطق أخرى يحدث الأمر نفسه ، لكن كل هذا لا يصح تعميمه على سيناء ، حيث هناك مناطق نسبة الأمية فيها مفزعة ، حتى أن هنا بيزنس عال في منح شهادات محو الأمية للسائقين وتلك قضية أخرى معقده .
حاولنا هنا أيضا أن ننقل النص حرفيا فهو غني عن أي تعليق.
3 - التنمية في سيناء و مشاركة أبناء سيناء
ورد في مدونة سيناء الإخباري" بتاريخ 30 ابريل 2010 تحت عنوان "سلحفاة التنمية في جنوب سيناء‮!‬"
تأتي الذكري الـ28‮ ‬لتحرير سيناء‮. ‬لتقدم دليلاً‮ ‬جديداً‮ ‬علي أن دماء الشهداء لم تشفع لدي الحكومة التي تجاهلت جنوب سيناء وتخلت عن أبنائها واهتمت برجال الأعمال والمستثمرين فقط‮.‬ تأتي الذكري الـ28‮ ‬لتحرير سيناء ويأتي معها كلام الحكومة عن تنمية سيناء وتعميرها،‮ ‬لكن يأتي في الجانب الآخر مشاكل المواطنين،‮ ‬وخاصة في جنوب سيناء وتضرب بتصريحات الحكومة الوردية عرض الحائط‮.‬ مشاكل أهالي جنوب سيناء‮.. ‬البدو والحضر‮.. ‬في كل شيء سواء في الزراعة والإسكان ومياه الشرب والصحة‮.‬
أما السياحة فكان تحرك الحكومة عندما اهتم رئيس الجمهورية بصناعة السياحة،‮ ‬وخاصة في شرم الشيخ،‮ ‬ولولا اهتمام الرئيس لما كانت شرم الشيخ حتي الآن،‮ ‬بدليل أن هناك مدناً‮ ‬أخري منها دهب ونويبع وطابا وراس سدر مازالت محلك سر سياحياً‮ ‬وتنتشر بها العشوائيات في كل مكان‮.‬
أزمات المياه والإسكان تسيطر علي دهب ونويبع،‮ ‬فقد تخلت الدولة عن المشروع القومي لتعمير سيناء،‮ ‬وتعاملت مع ملف سيناء علي أنه مجرد ملف أمني وتجاهلت ملفات تعميرها وتنميتها سياحياً‮ ‬واقتصادياً‮ ‬وزراعياً‮.‬ الإسكان أصبح مشكلة كبري في جنوب سيناء فالشباب ينتظر من عشرات السنين للفوز بشقة رغم أن هناك عدة مشاريع منها مشروع إسكان مبارك الذي قامت المحافظة بتوزيعه علي المحاسيب والمعارف‮.‬
الصحة مشكلة المشاكل في جنوب سيناء فمستشفي طور سيناء العام رغم أنه مستشفي ضخم إلا أنه لم يتم افتتاحه رسمياً‮ ‬منذ مرور‮ ‬4‮ ‬أعوام علي بنائه كاملاً‮ ‬نظراً‮ ‬لعدم وجود أطباء وأجهزة طبية‮! ‬فالمستشفي يعاني نقصاً‮ ‬في أطباء التخدير وأطباء الجراحة والأشعة والباطنة وكذلك نقص الأدوية بالصيدليات،‮ ‬فيعتمد أبناء سيناء والبدو علي القوافل الطبية التي تزور كل فترة لعلاج أبناء البدو في الوديان وأعالي الجبال‮.‬
مستشفيات المدن دهب ونويبع وراس سدر وكاترين أيضاً‮ ‬مجرد مبني فقط وتنقصها الأجهزة والأطباء والأدوية،‮ ‬وهكذا تتعامل الحكومة مع ملف الصحة في جنوب سيناء بإهمال ولامبالاة وكأن حياة السيناوية لا تساوي شيئاً‮!!.‬ معاناة يومية صعوبة المواصلات أصبحت معاناة يومية للمسافرين من أبناء البدو والحضر وتنقلهم من بلادهم في المحافظات فتذاكر الأتوبيسات في ارتفاع مستمر لدرجة أنها وصلت إلي‮ ‬75‮ ‬جنيهاً‮ ‬للتذكرة،‮ ‬والكارثة أن الأتوبيسات العامة‮ ‬غائبة دائماً‮ ‬إلا فيما ندر،‮ ‬وهكذا عجزت وسائل النقل في تقديم خدمة آدمية لجنوب سيناء،‮ ‬رغم أهميتها الاستراتيجية من حيث الموقع والسياحة العالمية،‮ ‬والغريب أن الأجهزة الموجودة داخل المحافظة لا تهتم سوي بشرم الشيخ التي تأخذ كل اهتمام الحكومة لوجود المؤسسة الرياسية بها،‮ ‬أما باقي المدن الأخري فمهمشة ومهملة‮.‬ في جنوب سيناء لا توجد أي نوع من الزراعة‮.. ‬لا توجد سوي صحراء تعوي وتشتكي من‮ ‬غياب الزراعة‮.. ‬وأرض جرداء ليس بها زرع ولا ماء ولهذا صارت مرتعاً‮ ‬وملعباً‮ ‬للحيوانات المفترسة‮!.‬
حدث هذا رغم أن علماء الزراعة والمياه أكدوا أن جنوب سيناء‮ ‬غنية بالمياه الجوفية وكذلك وصول مياه النيل إلي بعض مناطق جنوب سيناء‮.‬ مشروعات الصناعة في جنوب سيناء هزيلة للغاية،‮ ‬رغم وجود مدينة كاملة مثل أبوزنيمة يوجد بها عدة مشاريع صناعية مثل الرمل الزجاجي والرخام وجبال الدهب والفحم إلا أن الدولة أهملت الصناعة في جنوب سيناء،‮ ‬ولم تنفذ المخططات التنموية التي أعلنت عنها طوال‮ ‬28‮ ‬عاماً‮.
‬ وعود الحكومة الكاذبة شملت أيضاً‮ ‬متضرري السيول،‮ ‬فلقد وعدت الحكومة ببناء مساكن جديدة لمتضرري السيول بمناطق أبوصويرة براس سدر لكنهم حتي الآن مازالوا يعانون الأمرين من أجل الحصول علي شقة أو بناء سكن ملائم لهم ولأسرهم،‮ ‬كما وعدت الحكومة أبناء سيناء من الشباب بتوفير فرص عمل وإيجاد مشاريع صغيرة تلائم كل شاب لكنها كالعادة تبخرت الوعود كما تبخرت وعود كثيرة وعدت بها الحكومة لأبناء سيناء،‮ ‬وهكذا صار السيناوي محروماً‮ ‬من كل فرصة عمل‮.‬ رغم أن شركات البترول وكذلك التعدين والسياحة في كل مدينة بالمحافظة إلا أنها حرام علي السيناوية حلال علي أصحاب الواسطة والنفوذ من خارج المحافظة‮.‬
وفي مجال البيئة تركت الحكومة الحبل علي الغارب وأصبحت محميتا راس محمد وراس رايا مهددة،‮ ‬بالتلوث والقضاء علي الشعب المرجانية والأسماك النادرة في حين أن الحكومة تحدث عن مدينة شرم الشيخ الخضراء الخالية من أي تلوث‮!.. ‬وهو كلام كذب في كذب لأن شرم الشيخ وجنوب سيناء يحاصرها التلوث من كل مكان‮.. ‬وتحاصرها بقع الزيت من كل اتجاه،‮ ‬خاصة في شواطئ محمية راس محمد وراس رايا والسبب شركات البترول والناقلات المحملة بالبترول التي تمر بالقرب من المحميتين،‮ ‬وهذا الزيت المتسرب قتل الأسماك مما ضرب الصيادون في مقتل حتي صارت + بجوار الشباب الذي يملأ مقاهي المدن في المحافظة والوديان الجبلية‮.‬ ويقول الحاج سالم سلمان إن الحكومة أكدت أنه مع حلول عام‮ ‬2017‮ ‬سيكون عدد سكان جنوب سيناء‮ ‬5‮ ‬ملايين مواطن،‮ ‬وتكون جنوب سيناء منطقة جذب سكاني لكن الواضح أن شيئاً‮ ‬من هذا لن يحدث فالمحافظة صارت طاردة للسكان وليست منطقة جذب سكاني يرجع ذلك للتعقيدات والروتين القاتل الذي يراه المواطن في الجهاز الحكومي بالمحافظة والتنمية التي تسير كالسلحفاة في شتي المجالات،‮ ‬وخاصة تعمير الصحراء والإسكان بدليل أن من يريد الحصول علي شقة عليه الانتظار لأكثر من‮ ‬10‮ ‬سنوات‮.‬
ويشير فريج شعلان،‮ ‬بدوي،‮ ‬إلي أن أزمة المياه كارثة تعاني منها المحافظة ويقول‮: ‬الحصول علي المياه أمر صعب للغاية والمؤكد أن الفساد وسوء الإدارة وراء عدم تعمير سيناء وأن توقف المشروع القومي لتنمية سيناء وراءه أيد خفية لا يهمها أن تظل سيناء بلا تعمير،‮ ‬وبلا استثمار‮.‬ ويواصل فريج مشروع تنمية سيناء ولم ينفذ منه سوي‮ ‬10٪‮ ‬فقط رغم مرور‮ ‬28‮ ‬عاماً‮ ‬علي عودة سيناء إلي أحضان الوطن‮.‬
ويؤكد فرج الصوالحة،‮ ‬بدوي‮: ‬قصور الخدمات الرياضية والشبابية مشكلة يعاني منها كل السيناوية ويقول‮: ‬هناك خطط للتنمية الرياضية والشبابية موضوعة منذ فترة طويلة ولم تنفذ حتي الآن ما عدا عدد محدود من مراكز الشباب التي أصبحت تسكنها الغربان والأتربة،‮ ‬لأن الشعب السيناوي لا يمارس الرياضة واتجه إلي الجلوس علي المقاهي والكافتيريات إيماناً‮ ‬منه بأن هذه المراكز الشبابية لا تقدم له أي شيء ولا تحفزه علي الرياضة‮.‬
ويقول محمد عرفان،‮ ‬من أبناء جنوب سيناء،‮ ‬إن عدم تنمية وتعمير سيناء وحرمان أهلها من تملك الأراضي وما يقام عليها من مبان يعد حاجزاً‮ ‬أمام نزوح المواطنين إلي سيناء والعيش فيها‮.‬ و يضيف‮: ‬حرمان أبناء سيناء من الحصول علي قطع أراض للبناء عليها وعدم تقنين أوضاعهم وإعطائهم حق انتفاع لمدة‮ ‬99‮ ‬عاماً‮ ‬مثل أي أجنبي يحصل علي أرض في سيناء فيتعامل ابن سيناء مثل الأجنبي بحق الانتفاع لمدة‮ ‬99‮ ‬عاماً‮.‬ أكد الشيخ جميع حمدالله،‮ ‬من أبناء سيناء،‮ ‬أن القرارات التي أصدرتها الحكومة بحق الانتفاع لمدة‮ ‬99‮ ‬عاماً‮ ‬لأبناء سيناء أصحاب الأرض زاد من هجرتهم خارج سيناء‮.‬ ويضيف‮: ‬المدارس قليلة في الوديان،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن ضعف الخدمات الصحية وتردي حالة الطرق والمواصلات داخل محافظة جنوب سيناء،‮ ‬هذا ما فعلته الحكومة في سيناء بعد‮ ‬28‮ ‬عاماً‮ ‬من تحريرها‮.‬
4 - أبناء سيناء و التعامل مع الشرطة
لا شك في أن الشرطة تعد ضمن رموز السلطة الأكثر احتكاكا بالجماهير بشكل مباشر؛ و لا شك أيضا فيما تمثله سيناء بشريا و جغرافيا من أهمية خاصة بالنسبة لأمننا القومي. تري ما هي صورة الشرطة المصرية في عيون أبناء سيناء؟ لنعد مرة أخري إلي المدونات السيناوية.
في مدونة بعنوان سيناء الشعب ، بتاريخ 5 ديسمبر 2008 و تحت عنوان رئيسي "سيناء علي فوهة بركان" تعرض المدونة لطبيعة العلاقة بين الشرطة و أهالي سيناء حيث يقرر شيوخ القبائل أن الدولة أهملت سيناء و أسقطتها من الذاكرة، و يمضي المقال متسائلا:
من الذي يشعل النار في ثوب سيناء؟‮.. ‬من الذي يضع الألغام في طريقها؟‮ .. ‬من الذي يريد لواحدة من أطهر بقاع الأرض أن تبقي‮ ‬غارقة في الأحزان والدم والدموع‮.‬ هذه الأسئلة رحت أبحث عن إجاباتها بين أهل سيناء‮.. ‬وهناك وجدت واقعا يثير الرعب وأفكارا تبعث علي الخوف،‮ ‬ووجدت شعورا يتنامي ساعة بعد أخري بين أبناء سيناء بأن بعض المسئولين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإذلال السيناوية وكسر كبريائهم‮.. ‬ووجدت تبادلا للاتهامات بين البدو ورجال الشرطة فكلاهما يؤكد أنه الضحية وان الطرف الآخر هو الجلاد‮.‬ باختصار وجدت هناك واقعا ينذر بكوارث جديدة في المستقبل القريب‮.‬ وجدت النيران لا تزال تحت الرماد‮ .. ‬نيرانا تنذر بتجدد المصادمات بين البدو والشرطة بسبب إصرار بدو سيناء علي الإفراج عن المحتجزين داخل مديرية الأمن والمطالبة بمحاكمة الضباط الذين أطلقوا النار وقتلوا أربعة من السيناوية‮.‬ روايات الأمن في سيناء وجهتا نظر علي طرفي النقيض وجهة النظر الأمنية تؤكد أن التصعيد الأخير في المواجهات بين الشرطة وبين البدو‮ »‬القبائل‮« ‬سببه شعور البدو أنهم دولة داخل دولة ولا يمكن محاسبتهم إلا بقوانينهم الخاصة‮. ‬لكن القانون‮ ‬غائب في هذه المنطقة ويجب فرض سطوة الأمن وإحكام الرقابة علي الطرق وعدم إثارة القلاقل نظراً‮ ‬لحساسية وضع المنطقة وأن بعض الخارجين علي القانون احترفوا تجارة الانفاق وتهريب السلع والسولار عبر الانفاق لغزة وهذا‮ ‬يسبب مشاكل صعبة لا يمكن تجاوزها والسكوت عليها‮. ‬وأيضا تجارة المخدرات والسلاح وملاحقة بعض الخارجين علي القانون كان يحتاج لمواجهة،‮ ‬لكن هذه القلة رفضت سطوة الأمن ونصبت من نفسها قوة خاصة تحتمي بقبيلتها وعشائرها وتزعم انها تسعي لمصالح الناس‮.‬ وأكدت الروايات الأمنية في سيناء أن البدو هم الذين بادروا بالاعتداء علي رجال الشرطة وأن قتلي المواجهات مع البدو لم يكن عن عمد وأن الصدام الذي وقع منذ أسبوعين وانتهي بمقتل شخص وإصابة آخر كان نتيجة مبادرة القتيل والمصاب بإطلاق النار علي دورية أمنية متحركة وما حدث هو دخول الشخصين بسيارة جيب بزجاج فاميه،‮ ‬وعندما شاهدوا الدورية أخذوا اتجاها آخر بسرعة جنونية فانقلبت السيارة وفور خروج الشخصية منها قاموا بإطلاق النار علي الضابط فاضطر للرد عليهم فلقي أحدهم مصرعه وأصيب الآخر وهم سعيد عودة‮ ‬25‮ ‬سنة متوفي ومحمد سليمان‮ ‬15‮ ‬سنة مصاب والأخير اعترف في النيابة بأن سعيد كان معه سلاح في السيارة وبادروا بإطلاق النار وكانت المواجهة الثانية مع الأمن والتي قتل فيها ثلاثة وأصيب رابع جاءت عندما تجمهر أهالي القتيل والمصاب في المواجهة الأولي علي الحدود واشتبكوا مع الشرطة وبادروا بإطلاق النار فلقي الثلاثة مصرعهم وهم أحمد جمعة العرجاني‮. ‬ومروان أبوذراعي ورباع أحمد وإصابة مسلم عودة‮ ‬35‮ ‬سنة وهو متهم بإصابة ضابط بطلق ناري في ذراعه وفي قضايا سلاح‮. ‬وأكدت الروايات الأمنية أنه بعد هذه المصادمات والقبض علي اثنين من المحرضين وهم سالم اللاقي وإبراهيم العرجاني‮. ‬حاولت بعض العناصر المطلوبة الهاربة تصعيد الموضوع وعمل دروع بشرية للهروب من تنفيذ الاحكام عليهم ويثيرون القلاقل تحت مسميات ومزاعم كاذبة‮.‬ الوفد في معاقل البدو وعلي طرف النقيض يؤكد أغلب قيادات البدو ان تصرفات الأمن هي التي تسببت في انفلات الأمور بعد أن قام بقتل البعض والتمثيل بجثثهم ودفنها في الصحراء بحجة انهم مطلوبون أمنياً‮ ‬والحقيقة أن الأمن يلفق قضايا وهمية لنا ويطلقون علينا النار بشكل عشوائي وقبضوا علي اشخاص ليس له ذنب والمستقبل في المنطقة‮ ‬غير واضح المعالم وربما ينذر بكارثة،‮ ‬هكذا وصف الحال في المنطقة صلاح أبوعرانيس من قبيلة‮ »‬الترابين‮« ‬وأحد أقارب القتلي‮. ‬حيث أكد أن الأمن خدع سالم اللاقي وهو الذي طلب منه الذهاب للحدود وتهدئة الأوضاع بعد ثورة أقارب القتيل والمصاب في المواجهة الأولي وعند ذهابه اكتشف هو ومن معه بوجود ثلاث جثث مدفونة في الصحراء في مقلب‮ »‬للزبالة‮« ‬وهنا ثارت مشاعر الناس وتوجهوا لنقطة وادي الأزراق ووجد عميد‮ »‬رئيس قطاع الأمن المركزي‮« ‬بالمنطقة ومجموعة من العساكر ونزل معهم لمعاينة الجريمة بناء علي طلبنا والكلام لعرانيس والجنود أنفسهم شهدوا أن الضابط هو الذي قام بقتلهم وفوجئنا ببعض رجال الشرطة يتهموننا بخطف الضباط والجنود والحقيقة أن سالم توجه مع الضابط إلي المديرية خوفاً‮ ‬عليه من ثورة الأهالي وهناك فوجئ بمحضر جاهز يتهمه بإثارة الشعب وإثارة الناس وخطف الضابط وتم القبض عليه هو وشقيق أحد المجني عليهم إبراهيم العرجاني‮. ‬وأضاف للعلم سالم شخص معروف جيدا لدي الأمن ومدير الأمن نفسه طلب منه الذهاب للحدود لتهدئة الأوضاع لكن‮ ‬غدروا به وهم يعلمون أنه المتفاوض باسمنا مع الأمن منذ اندلاع شرارة الأحداث الأولي وتم القبض عليهم ومعهم نحو‮ ‬60‮ ‬آخرين‮.‬ خالد سليمان من قبيلة الترابين أكد أن الشرطة هي التي قصدت إثارة المشاكل بقبضهم علي سالم والعرجاني وهو أمر‮ ‬غير مبرر ونحن ذهبنا للحدود للتظاهر السلمي بعد مقتل أقاربنا بقصد أن يصل صوتنا لكبار المسئولين وليس كما يدعي البعض للاحتماء بإسرائيل‮. ‬فكيف نحتمي بعدونا ونحن قاومناه سنوات واستشهد منا الآلاف في حربنا مع العدو الإسرائيلي‮.‬ وأضاف البعض يريدون ان نظهر بصورة المجرمين ولهذا أجهضوا كل محاولات الحوار ومنعونا من حضور لقاء لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب وغدروا بالشخص الذي يتفاوض عننا ونحن أمام هذه السياسة الغاشمة وحماية رجالهم الذين قتلوا أبناءنا لن نستسلم ولا أحد يعلم سوي الله ما يمكن أن يحدث خلال‮ ‬15‮ ‬يوما هي المهلة التي وعدتنا بها المديرية بالإفراج عن سالم وإبراهيم‮.‬ وواصل قائلا‮: ‬فالموت بالنسبة لنا علي طرقات وأرض سيناء أشرف وأكرم من الموت في سجونهم ونحن نجلس في بيوتنا ولن نفعل شيئا حتي تنتهي المهلة وباقين في أرضنا وسنموت فيها ولن نرضخ لضغوط الأمن حتي يظهرنا بصورة العملاء لإسرائيل‮. ‬وأضاف‮: ‬مطالبنا عادلة فكلما قامت المديرية بالقبض علي عناصر منا بحجة انهم مهربون وتجار مخدرات وحتي لو هناك قلة بهذه الصفة وهي قلة موجودة في كل مكان فما ذنب الباقين‮.‬ صوت العقل الشيخ عايش سليمان بن عويضة أحد مشايخ الترابين قال نحن نحترم الموقف الرسمي للحكومة وعلي رأسنا لكن أقول نحن مصريون وضد أي تصرف يثير القلاقل والأمن بالمنطقة أو يمس هيبة الدولة لأننا روينا هذه الأرض بدمائنا ولا ندعي بطولات زائفة ودورنا الوطني معروف للجميع‮. ‬وكان يجب علي المسئولين لكي تهدأ الأوضاع أن تتم محاسبة صغار الضباط الذين تعدوا علي المواطنين ولا يبيحوا دم أبنائنا دون حساب‮.‬ وأضاف القضية في سيناء تتخطي مجرد مصادمات مع البدو والأمن،‮ ‬فالقضية قضية تنمية حقيقية وفرص عمل والتمثيل الحقيقي للقبائل في الدوائر السياسية والبرلمانية في مصر،‮ ‬وأضاف هل تعلم أن السواركة والترابين وهم أكبر قبيلتين في سيناء ليس لهم عضو في البرلمان لان الانتخابات تتم بالتزوير وبتمرير مرشحي الوطني وأصحاب المال والمصالح مع الحكومة لكن التمثيل الحقيقي لأصحاب الضمير الحي‮ ‬غائب فمثلاً‮ ‬نحن بحاجة إلي مدارس ومستشفيات وأطباء ومصانع تنمية حقيقية توفر فرص عمل لابناء سيناء‮.‬ الحاج حسن علي خلف أحد وجهاء قبيلة السواركة ومن المجاهدين وحاصل علي نوط الامتياز من الطبقة الأولي من الرئيس السادات وشهادة تقدير من جامعة قناة السويس قال‮: ‬نحن ورجال الشرطة ضحايا سياسات خاطئة لعدة أسباب أولها ان اتفاقية كامب ديفيد قسمت سيناء الي مناطق‮ »‬أ،‮ ‬ب،‮ ‬ج‮« ‬والمنطقة‮ »‬ج‮« ‬بالذات المحاذية للحدود مع إسرائيل فرضت الاتفاقية ألا يتواجد فيها إلا رجال الشرطة،‮ ‬بالأسلحة الخفيفة ولكن لا تدريب الشرطة ولا سلاحها‮ ‬يؤهلها لحماية هذه المنطقة وأضاف ان جغرافية المنطقة وجبالها وحدودها التي تمتد من رفح حتي طابا بطول ‮400 ‬كيلو لا تسمح للشرطة بالعمل فيها وهو ما ترتب عليه ما يسمي بالانفلات الأمني في ظل‮ ‬غياب المسئول الأول عن المنطقة وترتب علي ذلك انتشار ظاهرة التهريب سواء للبضائع أو البشر مع قلة موارد التنمية وانعدام فرص العمل فلم يجد الناس أمامهم سوي هذا السبيل والانجراف وراء هذه الأبواب‮.‬ وأضاف‮: ‬الحل من وجهة نظري يتمثل في أمرين‮: ‬الأول فتح المعبر بين مصر وقطاع‮ ‬غزة وهو أمر ينهي الفوضى علي الحدود وتنتهي معها الأنفاق التي تعتبر عارا علينا‮. ‬أما الأمر الثاني فهو نشر قوات حرس الحدود علي طول الحدود حتي لو تطلب ذلك الاتفاق مع الجانب الآخر وأضاف انه بدون هذين القرارين لا يمكن حل المشكلة مع الجانب الآخر‮.‬ وأوضح الحاج حسن أن الأحداث الأخيرة كان يجب أن يكون رد الفعل علي الأحداث الأخيرة بعيدا عن المنطقة الحدودية،‮ ‬فهذا الأمر الذي أدي الي دخول مدرعات الشرطة وهي من نوع جديد مما جعلنا نفكر بأن دخول هذه المدرعات تم بإذن من الجانب الآخر وأوضح الحاج حسن‮: ‬لكي يهدأ الوضع يجب أن يحاكم أمام القضاء كل من أطلق النار علي البدو وإلا تحفظ القضية لأن البدو بذلك يعتبرون أن دمهم مباح في نفس الوقت نؤكد أنه لا أمان بدون هيبة الدولة ولذلك أطلب من جهازنا الشرطي أن يحسب كل المعايير والظروف الخاصة بالمنطقة ويتعامل مع الناس علي أرض الواقع بظروفه القهرية التي نعيشها لأن المستفيد الأول والأخير من هذه القلاقل هم أعداء الوطن‮.‬ وطالب الشيخ حسن بأن ترجع الشرطة لكتيب قوات حفظ السلام الذي توزعه علي جنودها في كيفية التعامل مع البدو ويوصيهم بأن تتوافر كل الحماية لنساء القبائل ويفضل ألا ننظر لها والرجوع لمشايخ القبيلة في حالة حدوث أي مشكلة‮.‬ خليل جبر السواركة ـ باحث في شئون القبائل ـ أرجع تصاعد هذه المواجهة بين الأمن والبدو لسببين الأول اقتصادي وهو أن أبناء القبائل بدأوا يشعرون أنهم مهمشون اقتصاديا بسبب تجاهل الدولة لـ90٪‮ ‬من أبناء القبائل خاصة بعد أن بنوا بيوتا وظهرت شريحة من المتعلمين منهم وظهر حراك سياسي بين أبناء القبائل،والسب الثاني ثقافي وهو شعور أبناء القبائل بأن خصوصيتهم الثقافية لم تؤخذ في الاعتبار من قبل مؤسسات الدولة المختلفة فهم يرون أن الدولة لا تأخذ في الاعتبار الجوانب الثقافية والاجتماعية لهم وهذا تجلي واضحا في تصرفات وزارة الداخلية مع أبناء القبائل،‮ ‬الأمن لا يأخذ في الاعتبار عند تنفيذ القانون الاعتبارات الخاصة للثقافة المحلية مثل احتجاز الرهائن خاصة النساء واقتحام البيوت وتلفيق التهم وكذلك عدم المعاملة بالمثل مع المخطئين من ضباط الداخلية مما يزيد من احتقان البدو ويشعرهم بالفرق‮.‬ وأضاف خليل أن الحزب الوطني في شمال سيناء احتكر السلطة وحرم أبناء القبائل من التمثيل السياسي العادل في البرلمان وأمن الدولة يلاحق الباقين منهم ويتهمهم بالعمالة والقبائل تعتبر نفسها وحدة سياسية مستقلة وبالتالي زاد الانفصال بين الأمن والقبائل‮.‬ وأضاف‮: ‬الدولة منذ عام‮ ‬1982‮ ‬كانت تأخذ في الاعتبار التوزيع القبلي عند اختيار القيادات السياسية لكن في التسعينيات تغيرت الآليات مع تغير توجه مصر للنظام الرأسمالي وأصبح نظام الحزب الوطني يختار ممثليه حسب الوزن المالي وليس علي أساس العدد والأغلبية،‮ ‬وأكد خليل أن علي الدولة أن تبحث عن حلول لتنمية المنطقة وأن يترك الأمن الفرصة للقبائل لاختيار ممثليهم في البرلمان حسب الاختيار وليس حسب ولائهم للأمن‮.‬ وأضاف ان عمليات التهريب والتجارة المحرمة لن تنتهي طالما هناك بطالة وعدم تنمية بالمنطقة ووصف خليل جبر التركيبة السكانية بسيناء وهي‮ ‬70٪‮ ‬من سكان سيناء الذين يصل عددهم لأكثر من ‮400 ‬ألف من القبائل وهي معظمها نزحت من الوطن العربي علي فترات وهذه الشريحة تعتبر نفسها من سكان سيناء الأصليين،‮ ‬والشريحة الثانية وتمثل ‮10‬٪‮ ‬من الفلسطينين الذين نزحوا قبل وبعد حرب‮ ‬48،‮ ‬والشريحة الثالثة وهم العرايشة ويمثلون‮ ‬10٪‮ ‬وهم من أصول عثمانية وتركية،‮ ‬والشريحة الرابعة من الوافدين من باقي المحافظات‮.‬ سألنا أمين القصاص رئيس لجنة الوفد بالعريش‮: ‬في رأيك ما الذي صعد المواجهات بين الأمن والقبائل في سيناء فقال‮: ‬أجهزة الأمن نتعامل من القبائل معاملة متدنية بدليل أن أهالي سيناء يلقون من الدولة كل عنت وظلم وإهدار لحقوقهم الدستورية والقانونية وهذا واضح تماما في قضيته حيث ترفض الدولة تمليك أبناء سيناء لأرضهم وتعصف بالاستثمارات وتعوق المستثمرين من الحضور الي المنطقة لأنه من الغريب أن تكون أملاك أهالي سيناء‮ ‬غير معترف بها حتي الآن ولا تعتد الحكومة بالأسس الدستورية والقانونية بالإضافة الي أن البطالة تسيطر علي هذه المنطقة وهي المطلب الأكثر إلحاحا لأهالي سيناء وكل هذه الأسباب تدفعهم وتضطرهم الي اتخاذ بعض التصرفات الخاطئة مثلهم مثل أي مواطن في الدولة وهذا الاتجاه ولد العنف والتصادم مع الأمن وأضاف‮: ‬للحقيقة انه عنف وليد عنف لأن الأمن خاصة منذ أحداث طابا وهو‮ ‬يوالي القبض علي المجرمين والأبرياء سواء بسواء كما نسيت الحكومة تنمية هذه المنطقة وتعميرها قبل‮ ‬غيرها وهو الأمل الوحيد الذي يفتح باب الرزق الحلال‮.. ‬وأضاف القصاص ان شعور البدو بأن الأرض وما عليها في سيناء ملك لهم وعدم اعتناء الدولة بالتنمية الحقيقة جعل المستثمرين ينصرفون عن سيناء باستثناء حسن راتب الذي‮ ‬غامر وجاء للعريش وبني قلاعا سياحية ومصانع وأستطاع أن يحقق المعادلة في التعاون فهو تعامل مع البدو‮.. ‬وتعامل مع الحضر وهو ما فشلت فيه الدولة‮.‬ سألته‮: ‬لكن التصعيد لم يكن لهذه الأسباب وإنما يرجع لعنف متبادل بسبب التهريب؟ فقال‮: ‬هذا صحيح ولكن الرواسب القديمة هي التي أدت لتصعيدها ومنها مثلاً‮ ‬أن أبناء سيناء لا يفهمون لماذا تقف الحكومة ضد تمليكهم الأرض حتي الآن رغم استجابة رئيس الجمهورية لمطالبهم وأصدر القرار رقم‮ ‬632‮ ‬لسنة‮ ‬82‮ ‬بالاعتداد بملكية أهالي شمال سيناء للأرض وهذا القرار لايزال ساري المفعول حتي الآن لكنه‮ ‬غير معمول به،‮ ‬والعنف الدائر حالياً‮ ‬سببه محاولة الشرطة لاختراق عاداته وحياته الخاصة بدعوي السيطرة الأمنية وهذا أدي لزيادة حدة المواجهة‮.‬ ولكن الأمن يتهم بعض أبناء سيناء بالعمالة لصالح إسرائيل؟ هذا ظلم كبير جداً‮ ‬فطوال وجود الاحتلال الإسرائيلي علي مدار‮ ‬41‮ ‬سنة لسيناء لم يسبق تعامل واحد مع إسرائيل و لو نظرنا لنحو‮ ‬12‮ ‬ألف شاب مصري يقال إنهم متزوجون وذهبوا لإسرائيل معظمهم من الدلتا لم يثبت وجود إلا حوالي‮ ‬9‭ ‬أو‮ ‬12‮ ‬سيناويا منهم وارجع للتاريخ أثناء احتلال إسرائيل المنطقة كم واحد منا باع أرضه لإسرائيل؟ فكل أبناء سيناء شرفاء لا يبيعون وطنهم ولن يفرطوا فيه مهما كان‮ - ‬وأكرر الحل في تنمية حقيقية والتعاون السلمي والودي مع القبائل لانهم لم يبادروا ولن يبادروا بالعنف إلا في ظل تعنت الأمن معهم وهم أنفسهم ضد الخارجين علي القانون وتجار المحرمات‮.‬ وتساءل القصاص لمصلحة من يستمر التصعيد والتعنت الأمني والقبلي فهذا يؤكد أن المنطقة ستظل مضطربة وهذا يخدم مصالح الأعداء‮.‬
5 دراسة المركز القومي
أجري المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة تحت عنوان ملفت«الانتماء والولاء في الشخصية البدوية» خلصت إلي أن المجتمعات البدوية أصيبت بضعف الروح القومية لدي أبنائها لعدم اشباع حاجاتهم الأساسية وعدم إحساس النظام بأدني مسئولية تجاههم وذكرت الدراسة أنه ليس من العدل وصف البدوي بالذاتية وعدم الانتماء دون النظر للعوامل والظروف المحيطة به، فنمط الحياة البدوية يشجع علي عدم الانتماء القومي بسبب الترحال المستمر وعدم الارتباط الشديد بالأرض، فالرابطة تكون بالأفراد الآخرين أبناء القبيلة التي يحكمها نظام صارم ودقيق. وأن شباب البدو يري أن سيناء هي الوطن ويضعونها في مرتبة مساوية للوطن الأم «مصر» و أغلبهم لم يسبق له زيارة «مصر» و لا يعرفها إلا من خلال وسائل الإعلام! ويتجسد الوطن لديهم في مفهوم سيئ سواء كان رجال إدارة يسيئون التعامل معهم أو رجال الشرطة الذين يتهمون كل من هو بدوي بالاتجار في المخدرات ويضعونه موضع شك دائم كل ذلك أدي إلي أن ينظر البدو لمصر باعتبارها سلسلة من الاحتلال العسكري لسيناء و تشير الدراسة إلي ضياع فكرة الانتماء القومي لدي كبار السن من البدو وجيل الوسط الذي قضي فترة من حياته في ظل الاحتلال، والمثير أن البعض منهم يرجع الامتيازات التي يتمتع بها الآن إلي فترة الاحتلال الإسرائيلي ويري آخرون أنهم استفادوا كثيراً في ظل الأوضاع التي سادت وقت الإدارة المصرية.. وأضافت الدراسة إن الأصول القبلية، قد لعبت دوراً كبيراً في إضعاف الانتماء والولاء نحو مصر وبدت كعقبة أمام اندماج أبناء المجتمع القبلي وأبناء وادي النيل وندرة مجالات الاحتكاك والتفاعل بين الطرفين، و أن موقف الأهالي من مشروعات التنمية التي تم تنفيذها في شمال سيناء كثيرا ما تختلف عن نظرة الأجهزة الرسمية المسئولة‏، ويكشف هذا التباين اختلاف الأولويات وترتيبها بالنسبة للأهالي والحكومة التي ليس لديها الإحساس الكافي بالمطالب والاحتياجات الحقيقية للأهالي‏.‏
من ناحية أخري يري الأهالي أو بعضهم أن ثمة نوعا من التحيز من جانب الحكومة ناحية المناطق الساحلية الشمالية وخاصة المدن علي حساب المناطق البعيدة في الصحراء فيما يتعلق بتنفيذ مشروعات التنمية‏,‏ بينما يجب أن تكون محلا للاهتمام‏,‏ خاصة منطقة الوسط التي يمكن أن تكون منطقة الكثافة السكانية‏.‏
و خلصت الدراسة إلي إن أي محاولة جادة لتحديد الأولويات في مشروعات التنمية في سيناء بشكل عام يجب أن تنطلق من التسليم بأن البداوة هي أسلوب للحياة ونمط للانتاج وان يتجاوز المهتمون بشئون التنمية حدود البيئة الصحراوية المحدودة و الامكانيات الاقتصادية البحتة‏,‏ بحيث يأخذون في الاعتبار الانساق أو النظم الاجتماعية السائدة حتي يمكن التعرف علي التفاعل والتأثيرات المتبادلة بين التنظيم القبلي والتنظيمات والمؤسسات القومية‏.
‏كما يجب أن تأخذ مشروعات التنمية في سيناء ان سكان الصحراء -أي البشر أنفسهم- هم أساس التنمية وأنهم ليسوا مجرد مستفيدين منها‏,‏ بل يجب ضرورة مشاركة الناس أنفسهم في اقتراح ورسم وتنمية المشروعات كلما أمكن ذلك‏.‏ والأخذ في الاعتبار الدور الذي تلعبه العوامل المحلية والانتماءات القبلية والعرقية والشكوك بين الأهالي و‏(‏الحكومة‏)‏ وهي شكوك لها تاريخ طويل‏,‏ بحيث أصبحت جزءا من التراث القبلي السيناوي‏,‏ وزاد في تعميقها عند الأهالي الاحتلال الاسرائيلي وبعض ممارسات التنفيذيين‏.‏
خاتمة
نحتفل سنويا بعيد سيناء التي تحررت في 25 ابريل 1982، بعد توقيع معاهدة كامب دافيد في سبتمبر 1978, و لعل المسنون منا ما زالوا يذكرون كيف كان العبور إلي سيناء المصرية حتى قبل الاحتلال يقتضي الحصول علي تصريح من الجهات العسكرية, و كذلك إحساسنا بالمهانة حين كنا نري العلم الإسرائيلي منذ يونيو 67 مرفوعا علي الضفة الشرقية من قناة السويس, و استمر ذلك الإحساس المرير حتى شهدنا إنزاله و ارتفاع العلم المصري؛ و لم يعد الذهاب إلي سيناء يقتضي الحصول علي تراخيص عسكرية, و لم يعد للعلم الإسرائيلي وجود علي أرض سيناء, و أصبح علي من يريد رؤيته لاستخلاص العبر أن يذهب إلي طابا حيث آخر كيلومتر تحرر من أرضنا المصرية و يمد بصره إلي هناك عبر الحدود, أو أن يراه علي سارية شاهقة فوق السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.
و لعل تبدل مواقع الأعلام يلخص مجمل ما حدث عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي: لقد كان جوهر الموقف العربي حيال إسرائيل منذ نشأتها يتمثل في أن السبيل للتصدي لها هو المواجهة العسكرية, و إلى أن يكتمل الاستعداد تلك المواجهة فليس من مبرر لتعامل عربي إسرائيلي إلا في ساحات القتال. و استمر هذا التوجه العربي الرسمي, و اختلفنا فيما بيننا كثيرا بل و تقاتلنا حول النموذج الأمثل للحرب مع إسرائيل, لكننا ظللنا علي تجاهل وجود إسرائيل إلي أن نقاتلها.
و وقعت هزيمة 67 و تحركت الأعلام الإسرائيلية لترتفع علي الضفة الشرقية للقناة, و علي هضبة الجولان و جنوب لبنان و قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس الشرقية, و ظلت تلك الأعلام في مواقعها حتى انتصار أكتوبر 1973 الذي كان بمثابة نقطة التحول التاريخية التي بدأت معها الأعلام العربية تتقدم رويدا رويدا و في مقدمتها العلم المصري الذي ارتفع علي سيناء في 25 إبريل 1982 ثم تحرك ليخفق فوق طابا آخر نقاطنا الحدودية في مارس 1989.
و رغم أن أحداث التاريخ تشير إلي أن مجمل المواقف العربية منذ إنجاز أكتوبر قد أولت ظهرها لإستراتيجيتها القديمة و أخذت تقتفي أثر المسار المصري بدءا من اتفاقيات أوسلو إلي معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية, و الاتصالات القطرية الإسرائيلية, حتى مبادرة السلام العربية الأخيرة التي تبنتها الجامعة العربية, و التي تقوم جميعا علي التسليم بحق إسرائيل في الوجود و القبول بالتفاوض معها من أجل إقامة علاقات سلام كاملة إذا ما انسحبت من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
رغم كل ذلك فإن الجدل ما زال متصلا بيننا حول جدوى التمسك بمعاهدة كامب دافيد, و ما زلنا نجد من مثقفينا الوطنيين من يتساءل مندهشا مستنكرا: ها هي إسرائيل تذكرنا بجرائم قتل أسرانا خلال حرب 67, و تبعث بجواسيسها إلينا, و ما زال الصلف الإسرائيلي يصدم كافة مبادرات السلام العربية, تري ماذا تبقي إذن من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ؟
و إلي جانب تلك الأصوات الوطنية, فإن هذا الطرح يلقي ترحيبا شديدا و ترويجا صارخا لدي قنوات تليفزيونية تنطلق من بلدان عربية منها ما "يستضيف" أهم قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط,, و هو ما ينبغي أن يثير تشككا في دوافعه الحقيقية, و علي أي حال فقد ساهم هذا الإلحاح الإعلامي في دفع العديد من أبنائنا الذين يفيض بهم الغضب المشروع حيال جرائم إسرائيل, إلي ترديد أنه لم يبق من معاهدة كامب دافيد ما يبرر التمسك بها.
فلنتفق أولا أنه لا توجد معاهدة أبدية مقدسة, و أن استمرار أية معاهدة يتوقف علي ما تحققه لأطرافها من مكاسب, فإذا ما تلاشت تلك المكاسب سقطت المعاهدة. و يشير تاريخنا القريب إلي معاهدات و اتفاقات أبرمت في ظل تهليل إعلامي صارخ ثم سقطت في صمت و تم نسيانها دون حتى أن يهتم أصحابها بتوقيع شهادة وفاتها. و من ناحية أخري فإنه لا توجد معاهدة نموذجية تحقق لكافة أطرافها الحد الأقصى من أمانيهم القومية و الوطنية و العقائدية و السياسية, فضلا عما تشير إليه أدبيات علم النفس السياسي من أن التوقيع علي أية معاهدة يحمل توقعا –قد يصيب و قد يخطئ- لدي كل طرف بأن التطورات المستقبلية سوف تعظم استفادته من نصوص المعاهدة التي وقع عليها.
ليس من شك إذن في مشروعية التساؤل عما بقي من معاهدة السلام لنتمسك بها؟ و الإجابة المختصرة هي: لقد بقيت لنا سيناء محررة و علينا أن نعضض عليها بالنواجذ فهي ما زالت مستهدفة. لقد دفعنا ثمنا باهظا لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي, و بقي أن ندعم هذا التحرير بتحريرها من العزلة و التمايز لتكون بحق سدا منيعا يحمي أمننا الوطني.
إن السؤال المطروح هو: ماذا فعلنا بسيناء المحررة؟ إلي أي حد نجحنا في تثبيت ذلك التحرير؟ إلي أي حد نجحنا في زراعة سيناء بالبشر؟ إلي أي حد تمكنا من إزالة إحساس أبناء سيناء بالتفرقة و بأنهم مختلفون؟ إلي أي حد نجحنا في إنهاء تلك العزلة التي استمرت حقبا طويلة حتى فيما قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ إلي أي حد نجحنا في دمج سيناء في البنية البشرية للوطن بحيث لا تصبح مجرد مزار سياحي بل موقعا صناعيا زراعيا يغص بسكانه؟ ذلك هو السبيل الوحيد لتثبيت تحرير سيناء.
تري هل نتوقع يوما أن نحتفل بعيد تثبيت تحرير سيناء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق