الخميس، 27 أكتوبر 2011

لكي لا نكرر مأساة ماسبيرو

http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/109254.aspx

لكي لا نكرر مأساة ماسبيرو
د. قدري حفني
Kadrymh@yahoo.com
إن فظاعة ما جري في ماسبيرو يوم التاسع من أكتوبر 2011، قد تغري بمحاولة الطمأنة و المواساة؛ و لكن الضمير العلمي و الالتزام الوطني يحتمان التوجس من احتمال تكرار ما حدث بصورة أو بأخرى.
لقد جري ما جري و تتبعناه كالعادة مسجلا بالصوت و الصورة: منذ تصاعد الشحن الطائفي السياسي الإعلامي إثر انتصار 11 فبراير، و ما صاحبه من مظاهرات و اعتصامات مسيحية متكررة في ماسبيرو، إلي ما حدث في قرية برناب ثم المسيرة الأخيرة، إلي أن سالت الدماء و سقط الضحايا في مجزرة غير مسبوقة. فماذا حدث بعد ذلك؟
لقد تبرأ الجميع مما حدث، دون أن يعترف أحد بمسئوليته و لو جزئيا، مما يعني أن أحدا لا يري أنه أخطأ، بل تصرف التصرف الصحيح المناسب للحال: يري المسيحيون أنه لم يكن أمامهم سوي تصعيد احتجاجهم السلمي بعد تصاعد وتيرة الاعتداء علي الكنائس مؤخرا، و من ناحية أخري لم يكن أمام القوات المسلحة المكلفة بحماية مبني التلفزيون - رغم أن أسلحتهم خالية من الطلقات الحية - سوي التصدي لمن يطلقون عليهم الرصاص و يقذفونهم بالزجاجات الحارقة، و من ناحية ثالثة فإنه بسبب الارتباك و العنف حدثت تجاوزات غير مقصودة من التلفزيون، و من بعض جنود القوة المكلفة بحراسة المبني. تري ألا يعني ذلك أن الأطراف جميعا مستعدة لتكرار ما حدث بتفاصيله إذا ما توافرت الظروف و هي ما زالت للأسف متوافرة بكل تأكيد.
إن تاريخ المسيحيين في مصر يشهد حقا بإحجامهم عن العنف، و تاريخ الجيش المصري الذي تجمع صفوفه بين الأقباط و المسلمين ينفي عنه بالتأكيد تهمة الطائفية البشعة، و القوي السياسية جميعا سواء أعضاء تنظيمات الحزب الوطني المنحل، أو جماعات الإسلام السياسي بأطيافها جميعا، أو الأحزاب القديمة و الجديدة، أو ائتلافات شباب الثورة علي تعددها؛ الجميع يبدو منشغلا مستغرقا في ترتيب صفوفه لخوض الانتخابات الوشيكة، و الجميع يمني نفسه بفوز ما. و ليس من المألوف أن يقدم فريق علي إثارة الاضطراب قبل أن تبدأ المباراة مما قد يؤدي إلي إلغاءها.
تري إذا ما كنا جميعا أبرياء فمن الذي فعلها؟ لقد أشار قداسة البابا شنودة و ورد كذلك في تصريحات أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إن فئة مأجورة اندست بين المتظاهرين لارتكاب تلك الجريمة.
إن الذين شاهدناهم بأعيننا و سجلتهم عدسات التصوير يمسكون بالعصي و السيوف و الزجاجات الحارقة هم غالبا أولئك "البلطجية" الذين سبق مشاهدتهم في مناسبات شتي قبل و خلال و بعد 25 يناير و نعرف جميعا أنهم يؤدون "عملهم" لحساب من يستطيع تمويلهم و تأمينهم؟ و لكن تري من هي الجهة التي تملك المال و النفوذ لاستئجار أولئك البلطجية و تسليحهم و توجيههم و تأمينهم؟
إن المجموعة السياسية الوحيدة المحرومة من خوض الانتخابات، هم رؤوس النظام السابق و لكنهم المحتجزون وراء القضبان في انتظار الانتهاء من محاكمتهم، و توشك آمالهم أن تندثر نهائيا بتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم لسلطة مدنية منتخبة، و هم علي معرفة دقيقة بامتدادات خيوط السلطة في المجتمع؛ و لكن تري هل ما زال لديهم من المال و النفوذ ما يمكنهم من دفع البلاد إلي هاوية دموية قد تحيي الأمل في عودتهم بشكل ما للسلطة أو علي الأقل إفلاتهم من العقاب؟ و لو كان ذلك صحيحا فهل بمقدورهم تنفيذه دون توافر حليف له سطوة لا تقاوم و قدرة لا حد لها علي التمويه؟ أم تراهم قد فقدوا الأمل و القدرة و أن ثمة طرفا آخر ما زال متخفيا هو من خطط و مول و أدار لحسابه كل ما حدث؟
و أخيرا، هل صحيح أن قوائم الجرحى و الضحايا قد خلت من أي من أولئك البلطجية المندسين؟ لو كان ذلك صحيحا فكيف استطاعوا في ظل تلك الفوضى الدموية من الإفلات سالمين؟ و هل صحيح أن قائمة من تستجوبهم النيابة المختصة قد خلت أيضا حتى الآن من ذلك المحرض الذي يمتلك من النفوذ و المال ما يكفي لحشد هؤلاء و تحريكهم بل و حمايتهم؟
بقيت كلمة:
ليس متصورا أن سيناريو المذبحة كان مخططا بحيث تنتهي عند تلك النقطة التي توقفت عندها، بل كان المتوقع أن تهب جماهير المسلمين لتحرق المزيد من الكنائس و تدمر أولئك المسيحيين الذين يعتدون علي جنود جيش مصر، و ربما حال دون اكتمال ملامح الكارثة ما لم يكن في حسبان المخططين، و هو أن الكتلة الأساسية لجماهير المصريين رغم الشحن الطائفي المستمر طيلة السنوات الماضية ما زالت غير جاهزة تماما لحرق الوطن.
و لكن ذلك لا يستبعد الإقدام علي محاولات جديدة و ليس من سبيل للتصدي لذلك سوي إنجاز أمور ثلاثة:
• الإلحاح علي ضرورة كشف من قام بالتخطيط للمذبحة و تمويلها أيا كانت هويته دون الوقوف فحسب كما اعتدنا عند الأدوات المنفذة.
• أن نعترف بأن إحساس الأقباط في مصر بالتمييز ضدهم ليس وهما و لا مؤامرة و لا ابتزازا، بل هو حقيقة ينبغي الاعتراف بها أولا لكي نستطيع تحديد حجمها الواقعي و سبل مواجهتها و مدي استعدادنا لدفع ثمن تلك المواجهة.
• الدفع في اتجاه الالتزام بإجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة، باعتبارها الضمان الحقيقي للاستقرار السياسي و الأمني و الاقتصادي.

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

حوار منشور في جريدة الموجز بتاريخ العاشر من أكتوبر 2011

الدكتور قدري حفني يجيب عن السؤال الصعب «ماذا حدث للمصريين؟» الانفلات الأمني أكذوبة وهدفه القضاء علي الثورة
حفني أكد في حواره أن «حزب الكنبة» أقوي الأحزاب المصرية مشددا علي أنه التيار الوحيد الذي سيحدد خريطة مصر السياسية في الفترة المقبلة مشيرا الي أن أفضل ما في ثورة الخامس والعشرين من يناير أنها أخرجت الأقباط من عزلتهم وجعلتهم يتصرفون كمواطنين عاديين دون الاحتماء بالكنيسة أو اللجوء إليها.
وأوضح عالم النفس الشهير أن خريطة مرشحي الرئاسة لم تكتمل بعد وأنه يتوقع ظهور مرشحين جدد خلال المرحلة المقبلة مشددا علي أن المصريين كسروا حاجز الخوف ولم يعد يجدي معهم قانون الطوارئ أو حظر التجوال.. قراءة حفني للمشهد السياسي في مصر وتوقعاته للمرحلة الانتقالية نتعرف عليها في الحوار التالي:
> ماذا يحدث في مصر الآن؟
>> مصر الآن تمر بمرحلة تالية لثورة 25 يناير بما يجعلنا نشهد مرحلة مخاض وتغيير لأشياء كثيرة.. وما آراه عموماً وفي مجمله قد يثير القلق ولكنه بالتأكيد لا يثير التشاؤم وخلال الفترة الماضية رأينا مشاهد عدة إيجابية فخرجت مليونيات رفع فيها المصريون شعارات وهتافات سياسية وبعد أن بدأت هذه المليونيات تسقط ظهرت الاحتجاجات الفئوية وهذه الظاهرة أراها إيجابية ومطمئنة لأنها تغيب الفتنة الطائفية تماماً حيث كل الثوار والمتظاهرين سواء كان المعلمون أو عمال النقل العام أو الأطباء أو غيرهم لا تستطيع أن تميز من هو المسيحي ومن هو المسلم وغير مسموح بذلك وإن حاولت سيهاجمونك ليس لأنهم متعصبون بل لأنك ستحاول أن تقلل عدد المتظاهرين وبالتالي تعتبر هذه الاعتصامات هي الترجمة الجماهيرية الحقيقية لما أسماه البعض «روح ميدان التحرير» التي كان فيها الجميع مندمجين لا فرق بين ليبرالي أو إسلامي أو قبطي أو ماركسي.. والاعتصامات الفئوية التي نشهدها الآن هي أمر طبيعي جداً ومكمل لثورة يناير التي كانت ترفع شعار العدالة الاجتماعية وهذا هو نفسه ما يطلبه المعلمون والأطباء وعمال النقل العام، والمطالبة بالعدل الاجتماعي هي الترياق للفتنة الطائفية ودائماً ما تعطل الفتن الطائفية العدل الاجتماعي لأنها تشغلنا بشيء آخر وهو من المسلم ومن المسيحي وهذا ما لم يحدث الآن، وهناك أمر إيجابي آخر يكمن في طريقة مطالبة المسيحيين بحقوقهم في كثير من الأحيان كان يشعر المسيحيون بالظلم صدقاً أو وهماً فكانوا قبل يناير يذهبون إلي الكاتدرائية للبابا وبعدها يتحدث كبيرهم مع كبير المسلمين دون إعلان عما دار بينهما وينتهي الأمر بتقبيل اللحي وإعلان الصلح، ولكن بعد 25 يناير بدأوا يتصرفون كمواطنين عاديين يعتصمون ويطالبون بحقوقهم من الحكومة وليست الكنيسة وهذه ظاهرة صحية جداً.
> ولكن هناك أشخاصا قلقون من ظاهرة الاحتجاجات الفئوية كيف تري هذا القلق؟
>> أراه غير منطقي فلماذا القلق إزاء ظواهر إيجابية؟! لا ينبغي أن نتشاءم منها، كل مواطن يري ظلماً وقع عليه من حقه أن يخرج ويطالب بحقه فما المقلق في هذا؟، وبالنسبة للذين يخرجون ينادون بالدولة المدنية أو الإسلامية أو الليبرالية فهؤلاء مصريون كل واحد منهم يحب وطنه ويتمني له مستقبلا طيبا، وإن كان المستقبل يختلف من شخص لآخر فهذا يراه بشكل كذا وآخر له رؤية أخري وهكذا وهذا أمر طبيعي.
> لكن هناك من يتعصب لرأيه وأحياناً يهدد!
>> حاولت أن أتشاءم فعجزت مصر تخطو الآن خطواتها المتعثرة الأولي لتكون دولة طبيعية فالاضرابات تحدث في بلاد العالم كلها ولا أحد يتهم المضربين ولم نسمع عن أحد يتهم المضربين والمعتصمين بالخيانة ولا أحد يطالبهم بأن يضربوا في وقت آخر غير وقت العمل كيف نطالبهم بالاضراب في أوقات غير أوقات العمل والاضراب هو التوقف عن العمل؟ وهذا حق تكفله جميع قوانين حقوق الإنسان التي وقعنا عليها.
> كيف تري الانفلات الأخلاقي والأمني في الآونة الأخيرة؟
>> هناك من يدعي وجود انفلات أخلاقي كما لو كنا قبل 25 يناير والسنوات السابقة مهذبين لا نسب ولا نشتم وكانت المسلسلات نقية وتحض علي الآداب والأخلاق وإن عدنا للصحف سنجد أننا كنا نشكو في السنوات الماضية من الانفلات الأخلاقي وكان هناك خوف شديد جداً من هذا الانفلات.
> وماذا عن الانفلات الأمني؟
>> هناك من يتحدث عن الانفلات الأمني وإهانة الشرطة وأنا ضد أن تهان الشرطة وأتمسك بوجود شرطة قوية تحفظ الأمن.
> هل تقصد إهانة الشرطة للشعب أم إهانة الشعب للشرطة؟
>> أقصد إهانة الشعب للشرطة هذا أمر مرفوض تماماً، قبل ذلك كنا نري سيارة خالفت المرور فيوقفها ضابط المرور تجد من يقود السيارة يقول «أنت مش عارف أنا مين؟!» ويتصل بأحد معارفه ليتحدث مع شرطي المرور ويتركه دون اتخاذ الإجراء اللازم وهذا يعد إهانة للشرطة فكان مصدر الاهانة قبل ذلك هم أكابر الناس أما الآن فمن أهان الشرطة هم الرعاع وهناك معضلة فالشرطة هم أبناء هذا الوطن وهم مستعدون لممارسة عملهم ولكن الشعب يهينهم لكن ينبغي في لحظة أن نسلم جميعاً ونقبل بعضنا كما نحن عليه.
أما بالنسبة للانفلات الأمني فهو مبالغ فيه جداً وتصويره بهذا الشكل يضر بالمصالح العامة حيث إن الدول الأجنبية عندما تري إعلامنا يتحدث ويوحي بأننا في مصر في حالة انفلات أمني يضر بنا في وقت كهذا غير صحيح، وإن وجدت فعلاً تجاوزات أمنية ولكن ليس بهذه الصورة التي نتخيلها.
> هل توافق علي تفعيل قانون الطوارئ؟
>> قانون الطوارئ لم يفعل بشكل حقيقي وإن عدنا لأيام حظر التجول سنجد أنه لم يفعل حظر التجول ففي عصر السادات شاهدنا حظر التجول والذي كان يخرج أثناءه كان يضرب بالرصاص وهذا لم نره في الفترة الأخيرة وهذا يدل علي أنه تم كسر حاجز الخوف والدليل علي ذلك هو عدم احترام حظر التجول والجيش احترم ذلك وقدره وهذا هو المهم، واهتمامنا بقضية تفعيل قانون الطوارئ هو انشغال بقضية وهمية ليست لها معني.
> إذن تقصد وجود انفلات إعلامي؟
>> أنا متخصص في علم النفس السياسي وفي هذا العلم توجد قاعدة «إن ما تدركه هو الحقيقة» بمعني أنه عندما نتحدث عن وجود انفلات أمني فهذا سيحدث حتي وإن لم يكن موجوداً هذا الانفلات نتاجاً عن هذا الشعور نجد المواطن يبحث عن الأسلحة للحماية والدفاع عن نفسه وتجد الخارجين عن القانون يظهرون بشكل أكبر والشرطة لا تقوم بوظيفتها ولكن الشعب المصري أفشل وقوع هذا الانفلات بسلميته فمنذ يوم الاستفتاء وكان يتردد أن تحدث حرب أهلية بين من يريدون «نعم» وبين أنصار «لا» حيث كان الطرفان يوجهان الاتهامات لبعض ورغم ذلك لم يحدث شيء، وكذلك في المليونيات العديدة التي خرجت في ميدان التحرير والوقفات التي حدثت في الميادين الأخري كل هذا ولم نسمع عن وقوع حرب أهلية كما كان يشاع وهذا ما أفسده الشعب المصري.
> وبمناسبة الحديث عن جهاز الشرطة هناك من يردد أن تقاعس جهاز الشرطة بسببه أزمة نفسية؟
>> لا.. هذا غير صحيح ببساطة شديدة الشرطة تحملت في العهد السابق كثيراً فوق مهامها الأصلية فهي مؤهلة لضبط الأمن فقط، ولكن النظام السابق استخدمها في خدمة مخططاته السياسية ولم يضع الأمن في مواجهة الخارجين علي القانون بل في مواجهة المعارضين السياسيين ومن هنا تحملت الشرطة حملاً غير مؤهلة له، وفي 28 يناير انهارت فهي بطبيعة الحال عدداً أقل بكثير من الشعب ومع ذلك كان لها هيبة فانكسرت هذه الهيبة وأصبحت في مواجهة مع من هم أكثر عدداً فالكثرة تغلب الشجاعة بالإضافة إلي أنه في أحيان كثيرة كان يقتل فيها ضباط الشرطة وهم يدافعون عن أنفسهم وعن أقسام الشرطة ضد البلطجية والخارجين علي القانون ولم يذكر أفراد الشرطة كشهداء إذن يشعر الشرطي بأنه لا قيمة له ولا يوجد تقدير للتضحية التي يقدمونها ولم يتم تسليط الضوء علي أدوارهم بل يسلط الضوء علي أخطاء بعضهم مما يؤثر بالسلب علي نفسية الشرطي.
> وكيف تفسر ظاهرة البلطجة التي أصبحت مثار الحديث والقلق لدي المصريين؟
>> بداية البلطجية موجودون منذ العصر القديم وكنا نشكو كثيراً منهم والأرشيف الصحفي يؤكد ذلك فهي ظاهرة ليست مستحدثة ولكن ما يحدث أنه يتم تسليط الضوء عليها حتي تصبح ظاهرة وترتبط بعدم انضباط الأمن حتي ينادي المصريون بعودة النظام السابق والصياح بأن الثورة هي السبب في انتشار البلطجية في شوارع مصر والادعاء بعدم وجود أزمات أثناء العهد البائد، وبذلك نضحك علي أنفسنا ما يحدث حالياً هو نوع معين من غرس الانفلات الأمني.
> تتحدث وكأن هناك من يعمل علي إشاعة الفوضي وعدم الاستقرار في البلاد لأهداف خاصة؟
>> بعد 25 يناير أسماء كثيرة خسرت مصر هي نفسها كانت تمتلك مصر في وقت ما، ومن الطبيعي ألا تتقبل هذه الشخصيات خسارتها بسهولة ويحاولون بشتي الطرق أن يستردوا ما فقدوه.
>كيف يمكن قراءة خريطة الشارع المصري بعد الثورة؟
>> بمنتهي الواقعية خريطة مصر لم تقرأ حتي اليوم ولن نستطيع قراءة هذه الخريطة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، المصريون لأول مرة في تاريخهم يحددون من ينجح ومن يخسر في الانتخابات.. طوال تاريخنا كان يوجد توريث للحكم، ولا أقصد هنا توريث الأب للابن فقط بل توريث الحاكم السلطة لمن يختاره هو وليس لمن يختاره الشعب واليوم المصريون لأول مرة في تاريخهم لا يعلمون من هو رئيس مصر القادم وبالتالي أي حديث عن تشريح المجتمع المصري مجرد انطباعات.
والذي يرسم الخريطة هم الناس وليس المرشح فالأرضية الانتخابية تغيرت فهناك من يدعي بأن فلول الوطني والإخوان هم من يرسمون تلك الخريطة وهذا أعتقد أنه لم يعد صحيحاً ففي العصر السابق حصل الإخوان علي 88 مقعداً وكان لم يكن غيرهم من الإسلاميين علي الساحة أما الآن فأصبحت هناك 7 مجموعات إسلامية وكذلك باقي التيارات السياسية كالناصري والتجمع وائتلافات الثورة وفلول الوطني.
> ما رأيك في مسألة ترشيح ودخول أعضاء الحزب الوطني المنحل الانتخابات المقبلة؟
>> لا يقلقني خوض أعضاء الحزب الوطني المنحل الانتخابات المقبلة، لان حجبهم عن الانتخابات ومنعهم سيعطيهم فرصة الادعاء بالبطولة والتساؤل عن سبب المنع والاضطهاد بما يجعلهم يشعرون بأنهم يمتلكون شعبية وجماهيرية.. الإخوان المسلمون بنوا مجدهم من الاضطهاد وزعموا وقتها أن منعهم من خوض الانتخابات تخوفاً من حصولهم علي نسبة تأييد عالية من الشعب وبالتالي الحصار السياسي يكون بالشارع وليس من خلال المحكمة، وإن نظرنا للانتخابات الطلابية الأخيرة لم يفز الإخوان فيها وكذلك في العمداء في جامعة عين شمس فالذين فازوا من الأغلبية الصامتة والأغلبية الصامتة هي التي ستحدد مصر في الفترة المقبلة.
> بعد مرور 8 أشهر من حكم المجلس العسكري.. ما تقييمك لأدائه؟
>> في رأيي أن ما حدث في 25 يناير غير مسبوق فهو ليس ثورة شعبية فقط أو انقلابا عسكريا فقط بل هو خليط بين هذا وذاك لأن الذين شاركوا في ميدان التحرير ليسوا هم الذين دخلوا القصر الجمهوري وأخرجوا مبارك فما حدث اختراع مصري جديد، وأعيب علي من يشبهون المجلس العسكري الحالي بمجلس قيادة الثورة فهذا غير صحيح، مجلس قيادة الثورة كان تنظيماً سرياً اختار بعضهم بعضاً ولكن المجلس العسكري لم يختاروا بعضهم بعضاً فهم ضباط كبار وصلوا إلي قمة الرتب العسكرية ويحملون في داخلهم التراث الوطني للجيش المصري لكنهم ليسوا مجموعة سياسية لهم انتماء سياسي معين، وهم وفقاً لما لمسته اجتمعوا علي فكرتين الأولي رفضهم للتوريث ومن ثم رفضهم إطلاق النار علي المتظاهرين وفض الاعتصامات وهنا اجتمع هؤلاء وقرروا ما حدث وأجبروا مبارك علي التنحي وهم الآن حسبما أري في طريقهم لتسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة.
> وما رأيك فيما يشاع حول ترشيح المشير نفسه في الانتخابات الرئاسية وكيف تري تحركاته الأخيرة؟
>> لا أعتقد أن المشير طنطاوي في طريقه لذلك وما أثير حول أن المشير يغازل الشارع غير صحيح فما حدث مؤخراً جري بالصدفة فالرجل كان في أحد الأماكن في منطقة وسط البلد وعند خروجه تلقفه أحد المارة وبالصدفة التقطه صحفي بجريدة «الكرامة» وصوره فالمسألة لم تدبر حتي يقال ذلك وبالتالي أتصور أنه لا يفكر في ترشيح نفسه فما يقوم به أعتقد أنه يدخل في الأطر التلقائية والطبيعية وأيضاً أتصور أنه لن يضحي بنفسه في الانتخابات ويتعرض للخسارة فيها.
> كيف تري تصدر التيار الاسلامي بمختلف فصائله للمشهد السياسي بعد نجاح الثورة؟
>> أنا لم أرهم يتصدرون المشهد مثلما يتردد كيف ذلك وهم علي سبيل المثال لم نر حتي الآن وزيراً منهم في حين أن هناك وزراء في تيارات سياسية أخري ولكني أعتقد أن من حقهم أن يمارسوا حقوقهم بشكل طبيعي وما كانوا يتعرضون له كان غير صحيح فالإخوان المسلمون أصبحت لهم مقرات في كل مكان وعليها شعارهم وإن كان للإخوان مشكلة تستحق الوقوف عندها وهي هل هم جماعة أم حزب ومع من سنتكلم مع المرشح أم مع رئيس الحزب فهذه إشكالية تستوجب تحديدها وكذلك السلفيون أصبح لهم أحزاب عديدة كل حزب له برنامجه الخاص، وللجماعات التي كانت تتبني العنف تراجعت عنه بمراجعات شجاعة فكل فصيل أو تيار خرج ببرنامج انتخابي وبرؤيته الخاصة ينادي الناخبين باختياره معلناً عن نفسه بما يجعل فكرة استخدام القوة بعيدة.
> ولكن هناك نوعا من القلق تجاههم نتيجة لما يبدونه من آراء قد تغضب البعض؟
>> بالعكس فإعلان إحدي القوي الإسلامية عن رأيها في أنهم لو تولوا سيفرضون الجزية علي المسيحيين فهذا رأيهم وبناء عليه يحدد الناخب إن كان يوافق علي ذلك أو لا فهو حر في اختياره، وحزب الكنبة أي الأغلبية الصامتة هي التي ستحدد والقلق طبيعي والمسلمون في مصر لهم شكل خاص عن باقي المسلمين في كل دول العالم وإن سألت أي مصري عن مذهبه سيقول لك إنه سني وأي مذهب سني تتبعه من الأربعة تجده لا يعرف فنحن هنا في مصر لسنا متعصبين ولا متزمتين.
> هل تتوقع أن يصل الإسلاميون للحكم في مصر؟
>> لكي يصل الإخوان أو غيرهم من الإسلاميين إلي السلطة في مصر لابد أن يكونوا أكثر اعتدلاً حتي ينتخبهم المصريون، فأغلب المصريين وافقوا علي وثيقة الأزهر التي تنادي بتولي المناصب بالانتخاب ولدينا مشهدان بالقطع سيكون لهما تأثير في ذهن السلطة القادمة وهما مشهد ميدان التحرير ومشهد محاكمة مبارك، إذن أصبح حتمياً أن يكون العدل هو الأساس في المستقبل سواء تولاها الإسلاميون أو الليبراليون أو اليساريون والناخب هو الذي سيحدد وإن اختار الشعب أيا منهم فله الحق في الحكم.
> رددت جملة أن الناخب هو الذي سيحدد الخريطة السياسية والحاكم القادم فكيف ذلك وهناك من يشكك في قدرة المصريين علي حُسن الاختيار مستنداً إلي وجود نسبة عالية من الفقر والجهل في المجتمع؟
>> الأمية في الهند أعلي بكثير من مصر واستطاعوا أن يتقدموا والأمية تعني الجهل بالقراءة والكتابة ولكنها لا تعني أنهم لا يعرفون مصلحتهم، والفقراء طلاب عدل أو رشوة ومن يستطيع رشوة الفقراء كلهم؟! ومن يستطيع تحقيق ذلك؟! ولابد ألا نبالي بهذه النسب في الانتخابات القادمة.
> ما هي المواصفات التي تتمناها في رئيس مصر القادم؟
>> أن يكون عادلاً «العدل أساس الملك».
> ما رأيك في الأسماء التي خرجت تعلن عن ترشحها في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
>> لهم الحق في ذلك وسيظهر آخرون في الفترة المقبلة والانتخابات هي التي ستقرر من هو الأفضل.
> هناك جدل كبير حول الرئيس القادم حول سنه وخبراته وانتمائه السياسي؟
>> لكل اختيار مبرر كبير السن يقال عنه أكثر حكمة وخبرة، وصغير السن أكثر نشاطاً وقدرة علي التحرك، ومن يستطيع أن يقنع الناخبين فهو الأولي.
> ما هو تحليلك لمحاكمة مبارك.. وكيف رأيته في القفص؟
>> مبارك حكم علي نفسه وصدر الحكم في ظني حينما نادي القاضي عليه وأجابه مبارك بهذه الطريقة وبهذه التصرفات فهو هنا تعامل كأنه متهم، كنا نخشي أن يقول مبارك أثناء محاكمته أنا رئيس جمهورية مصر العربية فقد يتسبب في مشكلة كبيرة وكنا نتوقع أيضاً أن يعتذر للشعب المصري، لعله قد يستطيع أن يكسب تعاطفاً شديداً ولكنه تعامل كمتهم راض بالتهمة وطبيعي في أي متهم أن يقول إنه بريء.. صدام حسين أثناء شنقه قال أنا رئيس العراق وفي كل المحاكمات السياسية نجد المتهمين يرفعون رؤوسهم ويتسابقون علي الظهور أمام الكاميرات وحتي الذين قتلوا السادات من الجهاديين كانوا يظهرون أمام الكاميرات فكانوا يعتبرونها شرف وما حدث أثناء المحاكمة واستوقفني هو أن ابنيه كانا يحاولان إخفاءه عن الظهور وهذا يحدث فقط في القضايا الأخلاقية مثل الدعارة والرشوة أما القضايا السياسية يحرص المتهم فيها علي الظهور.
> ما تحليلك النفسي لمبارك وقتها؟
>> هو بطيء وهادئ ويتردد في أن يغامر ويتخذ موقفا وموقفه من المحاكمة يؤكد رغبته في تبرئة نفسه ولا يريد أن يحكم عليه القاضي وهكذا كان جميع المسئولين الذين تمت محاكمتهم كانوا يغطون وجوههم ومبارك حكم علي نفسه وقضي الأمر حتي لو أخذ البراءة فهو في رأيي الخاص أجرم في حق مصر والمصريين.
> وكيف تري باقي المحاكمات؟
>> النظام السابق لم يدافع عن نفسه ويشعر بالخزي والعار وكنت أنتظر منهم أن يدافعوا عن أنفسهم وعن نظامهم وأن الثورة ضد مصالح مصر وهذا لم يحدث مما يعد أمراً غريباً ولكنهم ادعوا أنهم جميعاً مع الثورة وأيدوها.
> ثورة 25 يناير هل هي ثورة شباب أم ثورة الشعب المصري كله من وجهة نظرك؟
>> أقترح عدم تسميتها ثورة فثورة 1919 لم تسم نفسها وثورة 52 لم تسم نفسها وما الضروري في تسميتها الآن، حدث ما حدث ومسألة كونها ثورة الشباب علي أساس أن الشباب هو من قام بها والأمن المركزي أيضاً شباب والحزب الوطني به شباب والبلطجية في عمر الشباب لا يوجد رجل كبير في السن يستطيع أن يقوم بهذه الأفعال ولذلك لا يجب أن ننشغل إذا كانت ثورة الشباب أم ثورة الكبار.

التفاوض بين علم النفس و السياسة

التفاوض بين علم النفس و السياسة
ا • د • قدري حفني
مقدمة
التفاوض بين التعريف القاموسي والسمعة الاجتماعية
جذور السمعة الاجتماعية السلبية للتفاوض
لماذا نتفاوض؟
التفاوض من موقع الضعف
نحن جميعًا نمارس التفاوض طيلة الوقت وطيلة الحياة
حول آليات الضغط في عملية التفاوض
المعلومات والتفاوض
الاتصال غير اللفظي والتفاوض
خاتمة: نظرة إلي المستقبل
مقدمة
الصراع قدر البشر منذ وجدت الحياة، ومنذ وجد البشر. وقد درج البشر منذ فجر البشرية علي إنهاء صراعاتهم بالقوة التي تطورت صورها من قوة البدن إلي قوة العدد إلي قوة الاقتصاد إلي قوة السلاح إلي غير ذلك من أدوات القوة المادية، ولم تزل القوة تمثل حتى يومنا هذا عاملًا مفضلًا لإنهاء الصراعات سواء بين الأفراد، أو بين الجماعات• إلا أن ذلك لا ينفي أن البشر قد وضعوا أيديهم عبر تطورهم علي أساليب أخري تندرج تحت مسمي الأساليب السلمية لحل الصراعات، وعلي رأس هذه الأساليب أسلوب التفاوض•
التفاوض بين التعريف القاموسي والسمعة الاجتماعية
تفيض الكتابات عن عملية التفاوض بالعديد من التعريفات للمصطلحات، والعديد من النصائح للمفاوضين، فضلا عن آلاف القصص والمواقف التاريخية المثيرة لأحداث جرت خلال عمليات تفاوضية، فضلا عن العديد من التصنيفات لأساليب واستراتيجيات عملية التفاوض•
يعرف روبين و براون التفاوض بأنه "عملية يقرر بمقتضاها كل طرف من أطرافها ماذا سيقدم للآخر، وما الذي سوف يتقاضاه منه في المقابل" . أما تومبسون فيعرف التفاوض باعتباره "شكل مركب من أشكال عملية اتخاذ القرار يواجه فيه المتفاوضون العديد من الخيارات والمسارات التي يتخذون قراراتهم حيالها وفقًا لرؤيتهم للمهمة الموكلة إليهم" . ويحاول كروس أن يحدد الخاصية المميزة لعملية التفاوض مقررا أن المفاوضات تجري " حينما سكون حصول المشاركين فيها علي مكاسب عند توقيع الاتفاق مرهونًا باختياراتهم الحرة خلال التفاوض، وليس محتومًا سلفًا بما يحيط بكل منهم من ظروف" و رغم أننا لا نستطيع حصر التعريفات التي يفيض بها التراث للتفاوض، فإننا نفتقد محاولة للإجابة علي سؤال أساسي؟ لماذا نتفاوض أصلًا؟ هل ثمة ضرورة لعملية التفاوض؟ وتكتسب مثل تلك المحاولة أهمية خاصة في مجتمعاتنا العربية في ضوء ما اكتسبه مصطلح التفاوض من تشويه يكاد يقصره علي المجال السياسي، وما ترتب علي ذلك من اكتسابه مدلولات اجتماعية سلبية تربط بينه وبين العجز والاستسلام والضعف والتخاذل في مواجهة العدو بالقوة.
وتعد قضية السمعة الاجتماعية للمصطلحات قضية جديرة بالنظر، حيث لا يقتصر معني بعض المصطلحات علي ما يرد بشأنها في القواميس والمعاجم، إذ تنطلق تلك المصطلحات بعيدًا عن التحديدات القاموسية المعجمية لتكتسب معانٍ ومدلولات تاريخية اجتماعية، بل وتصبح لها سمعة اجتماعية شأنها شأن البشر• وفي حقيقة الأمر فإن سمعة أي مصطلح لا تتحدد وفقًا لتعريفات أهل الاختصاص الفني فحسب، بل يتدخل في تحديدها بدرجة أكبر التاريخ الاجتماعي لتطور الاستخدامات اليومية لذلك المصطلح• ولا يعد مصطلح "المفاوضات" استثناءًا من هذه القاعدة• شأنه شأن مصطلحات مثل "أنصار السلام"، أو "العالم الحر"، أو "المحرقة" ، والتي لا يمكن فهمها حق الفهم إذا ما اعتمدنا فحسب علي استقراء المعني من القواميس والمعاجم• بل إن كلمة بسيطة مثل "الجماعة" قد تعني في التراث الإسلامي معني يخرج بها عن كونها تدل علي مجرد مجموعة من الأفراد، فإذا نظرنا إلي السياق الاجتماعي للفلاحين المصريين لوجدناها تشير إلي الزوجة، أما لدي الصهاينة فإنها تعني نوعـًا من المؤسسات العسكرية الزراعية ذات الطابع الخاص في تنشئة الأطفال•كذلك الحال بالنسبة لمصطلح "التفاوض" الذي نحن بصدده•
جذور السمعة الاجتماعية السلبية للتفاوض
و لعل السمعة السلبية للتفاوض حتى لو كان ناجحا و خاصة في مجال المواجهات السياسية العسكرية ترجع إلي أن الانتصار العسكري الحاسم يعني حلول السلام باستسلام العدو استسلاما غير مشروط، دون مفاوضات و لا مناورات و لا حتى تدخل من المهزوم في صياغة وثيقة الاستسلام. هكذا كانت انتصار الحلفاء علي دول المحور و استسلام ألمانيا و اليابان، لقد وقع الإمبراطور الياباني وثيقة استسلام اليابان أمام الجنرال الأمريكي ماك ارثر في 2 سبتمبر 1945 بعد 18 يوما من إعلان الهزيمة، كما أن ممثلو القيادة العليا الألمانية قد وقعوا وثيقة الاستسلام في 15 مايو 1945 بعد 13 يوما من سقوط برلين. و لكن الأمر يختلف فيما يتعلق بحل الصراع بالوسائل السلمية، الذي يستغرق وقتا أطول و لا تكون نتائجه علي نفس الدرجة من التمييز القاطع بين الطرف المنتصر و الطرف المهزوم.
إن إبرام معاهدة بين طرفين بعد مفاوضات طويلة إنما يعني أن كل طرف قد وجد في توقيعه علي المعاهدة فائدة ما، بعبارة أخري أكثر وضوحا فإن توقيع مصر و إسرائيل علي المعاهدة إنما يعني أن لإسرائيل مصلحة في التوقيع كما أن لمصر مصلحة كذلك. و هذا هو الفارق بين نتائج حل الصراع بالطرق السلمية، و حله عن طريق الحسم العسكري. في الحالة الأخيرة يختص الطرف المنتصر بكل المكاسب، أما في الحالة الأولي فإن الهدف يكون بلوغ الطرفين نقطة وسطية تحقق أكبر قدر من المكاسب لكليهما، و لكنها لا تمثل التحقيق الكامل للحد الأقصى لما يريده طرف علي حساب الطرف الآخر.
لماذا نتفاوض؟
ولعلنا لو نجحنا في الإجابة علي ذلك السؤال: لماذا نتفاوض؟ نستطيع أن نعيد لمصطلح التفاوض معناه الرحب، وربما ننجح في تحسين سمعته الاجتماعية•
لكي نحاول الإجابة علي ذلك السؤال فقد اصطنعنا تعريفا للتفاوض باعتباره "محاولة أن يكسب المرء إلي جانبه أولئك الذين يري أن لديهم تحقيق مصلحة مادية أو معنوية له، ولكنهم لا يمنحونها له طواعية وليس بمقدوره الحصول عليها عنوة لاعتبارات فيزيقية أو أخلاقية أو قانونية •••إلي آخره" بعبارة أخري فإن التفاوض يقوم علي توافر عدة شروط مجتمعة:
أولًا: أن يكون لدي المرء ما يحتاجه حقيقة، وإلا فقدت المفاوضات معناها وأصبحنا حيال مجرد لعبة تفاوضية• و كثيرًا ما يقدم البعض علي ممارسة هذه اللعبة بشكل أو بآخر ولأهداف شتي: ربما لتمضية وقت الفراغ خلال التسوق، أو لمجرد الفضول لمعرفة السعر الفعلي لسلعة معينة، أو بغرض التدريب المخطط، أو بهدف حرف اهتمام شخص أو جماعة عن أمر ما يعد خفية، إلي آخره•
ثانيًا: أن يكون في مقدور أحد الأطراف تحقيق هدف الطرف الآخر أو مساعدته علي تحقيقه، أي أنه لا مجال للتفاوض مع من لا يملك تلك القدرة• ويحدث كثيرًا أن تبدأ عملية التفاوض بل وتقطع شوطًا ليتضح للمرء أن الطرف الآخر لا يملك بالفعل إمكانية تلبية طلبه، وأنه ربما أقدم علي التفاوض بناءًا علي تقدير خاطئ لحقيقة موضوع التفاوض، أو لمجرد المجاملة وتطييب الخاطر، أو للتظاهر بالأهمية إلي آخره•
ثالثًا: أن يكون أحد الأطراف محجمًا عن تحقيق الهدف أو المساعدة علي تحقيقه فور الطلب، مراعاة لمعايير أخلاقية أو لمصالح اقتصادية،أو لتراث تاريخي، أو لغير ذلك من الأسباب• فبدون ذلك الإحجام تنعدم الحاجة للتفاوض أصلًا، إذ يلبي الطلب فور الإعلان عنه كما في حالة شراء سلعة لها ثمن محدد مقبول ومتوافر• ورغم أنه نادرًا ما يحدث تفاوض إذا ما انعدم هذا الشرط، فقد يلجأ البعض أحيانًا إلي تلبية طلبات الآخر مباشرة بمجرد تقديمها وإنهاء عملية التفاوض حتى قبل الشروع فيها، رغم ما قد يكون في ذلك من تنازلات، ترقبًا لمصلحة أكبر، أو تخوفًا من خسارة وشيكة، أو ما إلي ذلك من اعتبارات•
رابعًا: أن يوافق الجميع علي موضوع التفاوض، أو أچندة المفاوضات• فأطراف التفاوض جميعًا تخضع لنفس القانون السلوكي : لا سلوك بدون دافع• ولذا فإنه من المنطقي ألا يقبل أي طرف المفاوضة لمجرد تلبية احتياجات طرف آخر إلا إذا رأي في ذلك إشباعًا لحاجة لديه أيضًا• ويحدث كثيرًا أن يبدي أحد الأطراف عدم اهتمامه بالموضوع أصلًا، أو حتى يبدي أن الموضوع المطروح "أمر مبدئي غير قابل للتفاوض بشأنه"• وهنا قد يبذل الطرف المقابل قصارى جهده لتبين ما إذا كان ذلك الرفض يرجع حقيقة إلي عدم الاهتمام بالموضوع، أم أنه مجرد تمنع لا يستهدف سوي تحسين شروط التفاوض• وعلي أي الأحوال فإن جانبًا كبيرًا من جهود التمهيد للمفاوضات يتركز في التوصل إلي قبول كل الأطراف -طوعًا أو كرهًا-بأن نجاح المفاوضات يحقق استفادتهم جميعًا•
ولعل ذلك هو ما يميز أسلوب التفاوض عن أسلوب استخدام القوة• فاستخدام القوة يكون عادة بقرار منفرد، يعتمد علي المفاجأة دون اتفاق أطراف النزاع علي المواجهة، في حين أن أحدًا لا يستطيع أن يتفاوض إلا إذا قبل الطرف الآخر بذلك• وتكمن هنا مفارقة تستوقف النظر حيث يحدث في كثير من الأحيان ممارسة ضغط معنوي أو اقتصادي بل قد يصل إلي حد الضغط بالقتال الفعلي علي أحد الأطراف، بحيث يصبح في حاجة للتفاوض فيجلس مرغمًا إلي مائدة المفاوضات•
خامسًا: ألا يكون في مقدور أحد الأطراف اعتمادا علي قواه المادية الذاتية إجبار الطرف الآخر علي القبول فورًا بتلبية طلباته • وقد يكون الحائل دون استخدام القوي الذاتية حائلا أخلاقيًا، أو اجتماعيًا، أو مجرد الضعف الموضوعي لتلك القوي•
التفاوض من موقع الضعف
وقد يثير هذا الشرط الخامس والأخير جدلًا متوقعًا: تري ما المبرر إذن للمفاوضات طالما أنه ليس في المستطاع تحقيق الهدف اعتمادًا علي القوي الذاتية؟ ألا يعني ذلك تعارضا مع حقائق علم التفاوض والتي تؤكد وبحق أن أحدًا لا يستطيع أن يحصل من خلال المفاوضات علي أكثر مما تسمح به موازين القوي الفعلية؟ وأنه ليس ثمة قوة سحرية تمكن المفاوض الماهر من الحصول علي ما يريده كاملًا ، بصرف النظر عن موازين القوي؟
رغم صحة تلك الحقائق، فإن الأمر في حاجة إلي تحديد ماذا نعني بميزان القوي• وتزداد أهمية ذلك إذا ما وضعنا في الاعتبار أمرين:
الأمر الأول أنه كثيرًا ما يتوجس المفاوضون شرًا حين تضطرهم ظروفهم العملية للإقدام علي التفاوض مع طرف يتفوق عليهم في مجال موازين القوي كما يفهمونها،خاصة في بداية خبراتهم بالمجال، وعادة ما يؤدي اضطرارهم للإقدام علي التفاوض في ظل هذا التوجس إلي اختلال أدائهم التفاوضي بصورة قد يترتب عليها خسائر كبيرة• ولذلك فإن برامج إعداد وتدريب المفاوضين لا تخلو عادة من جانب يتناول هذه القضية، قضية التفاوض من موقع اختلال موازين القوي لصالح الطرف الآخر•
الأمر الثاني يتعلق بما ألمحنا إليه من سمعة سيئة لمصطلح التفاوض في عالمنا العربي، حيث يقوم الجانب الأكبر من تلك السمعة السلبية علي أن الإقدام علي التفاوض بشأن حقوقنا القومية مع من ينتهكون هذه الحقوق إنما هو اختيار -بوعي أو بغير وعي- للاستسلام والتفريط، طالما أن ميزان القوي ليس في صالحنا•
وعلي أي حال فإن التفاوض من موقع اختلال تلك الموازين لا يقتصر بحال علي المجال السياسي، بل يتجسد في العديد من المواقف: تفاوض طفل مع والده لزيادة المصروف، تفاوض عميل مع بنك للحصول علي قرض، تفاوض مجموعة من السجناء مع إدارة السجن لتحسين أحوالهم المعيشية، فضلا عن تفاوض ممثلو شعب محتل مع قوي الاحتلال• تري هل تسفر مثل تلك المفاوضات حتمًا عن رضوخ الطرف الأضعف للطرف الأقوى؟ هل ننجح دائمًا في مفاوضاتنا مع أطفالنا؟ هل ينجح البنك دائمًا في فرض شروطه علي العميل؟ هل تنجح إدارات السجون في كل الأحوال في خروج المسجونين صفر اليدين من مفاوضاتهم؟ هل نجحت قوي الاحتلال دائمًا في كسر إرادة الشعوب علي مائدة المفاوضات؟ إن وقائع التاريخ فضلا عن الخبرات الواقعية الحياتية تشير إلي أن نتائج المفاوضات لا تسفر دائمًا عن انتصار الكبار، والبنوك، والسجانون، والمحتلون، بل كثيرا ما يحدث العكس
ولكن يبقي الأمر في حاجة لتفسير تري كيف يستطيع الطرف الأضعف في كثير من الأحيان أن يخرج من المفاوضات وقد أحرز شيئًا؟ الأمر لا يرجع بحال إلي مجرد مهارة المفاوضين في استخدام آليات التفاوض، بل يرجع إلي حقيقة أن للطرف الأقوى أيضًا أهدافًا لا يستطيع تحقيقها بصورة كاملة إلا إذا تعاون معه الطرف الأضعف• البنوك تضع في اعتبارها أن فقدان العملاء يقضي في النهاية علي البنك ذاته• والسجانون يضعون في اعتبارهم ضرورة الحفاظ علي الهدوء في السجون باعتباره دليلًا علي كفاءتهم في الإدارة، وقوي الاحتلال تضع في اعتبارها أهمية استقرار الأوضاع علي المدي البعيد للحفاظ علي الحد الأدنى من المكاسب. بل إن الأطفال يحققون مطالبهم التي نعترض عليها في البداية باستخدام سلاح التفاوض
و لنحاول أن نقترب معا من الطفل مفاوضا . لقد كان لي شخصيا حظ الممارسة العملية في مجالين من مجالات علم النفس تبدو الشقة بينهما بالغة: مجال التنشئة الاجتماعية للأطفال، ومجال التفاوض السياسي. و اتضح لي من جماع الممارسة في المجالين أن الطفل يمتلك بحكم ضعفه الفيزيقي قدرة هائلة في مجال محدد من مجالات إدارة الصراع هو مجال التفاوض.
الطفل البشري هو أضعف المخلوقات قاطبة، ولكنه يولد مزودًا بسلاح هائل يستطيع أن يستثمر به إمكاناته المتواضعة ويتمثل ذلك السلاح في قدرته غير المحدودة علي التعامل مع أولئك الذين بيدهم مقادير حياته. إن أول أسلحة الطفل يتمثل في البكاء، وغني عن البيان أنه سلاح بالغ الضعف إذا ما قورن بما لدينا نحن الكبار من أسلحة. ورغم أن البكاء يكون في البداية استجابة طبيعية تلقائية للإحساس بالألم البدني الناجم عن الجوع أو البلل أو ما إلي ذلك، فإنه سرعان ما يتحول لدي الطفل إلي سلاح لا علاقة له البتة بأي نوع من أنواع ذلك الألم البدني، ليصبح أداة يضغط بها الطفل علي الكبار لكي يحققوا له ما يريد مما لا يستطيع تحقيقه بنفسه. ولو تأملنا أطفالنا لوجدنا أنهم يطورون تلك الأداة البسيطة وينوعون في تشكيلها وفقًا لما يقتضيه الموقف. فالبكاء يستخدم أحيانًا لإزعاج من بيدهم الأمر بحيث قد يضطرون إلي تلبية المطالب إيثارًا للهدوء وتخلصًا من الإزعاج. وقد يستخدم البكاء أحيانًا أخري لاستدرار عطفهم مما قد يدفعهم إلي تلبية المطلب إشفاقًا وحبًا. وقد يستخدم البكاء في أحيان ثالثة للعتاب والتحذير من تكرار الفعل المرفوض كترك الطفل وحيدًا. ونغمة البكاء تختلف من حالة لأخرى ومن موقف لآخر، فهي تقترب من الصراخ في الحالة الأولي، في حين أنها قد تكون إلي الأنين أقرب في الموقف الثاني، وهي قد لا تعدو أن تكون نهنهة في الموقف الثالث.
أذكر موقفًا لطفل استخدم فيه بمهارة فائقة تلك النغمات الثلاث في ثلاثة مواقف متتالية. لقد اضطرت أمه لحمله إلي منزل جدته صباحًا لكي تذهب إلي عملها. وما أن وصلا واستدارت متجهة للباب حتى انطلق صراخه احتجاجا آملًا أن ينجح في إثنائها عن قرارها. ولكن لم يكن بد من أن تتركه الأم في قمة تزايد صراخه الي اقصاه. وبعد فترة وجيزة أدرك بعدها أنه لا أمل في تراجعها عن قرارها فقد نفذته بالفعل. ولم يلبث آنذاك أن تلفت صوب جدته وتحول صراخه إلي نوع من الأنين مختلطا بكلمات تحبب للجدة مشفوعة بقائمة من طلبات الحلوي واللعب المفضلة الي آخره. وانطلق الطفل يلعب الي أن عادت الأم. وإذا به يعاود البكاء هذه المرة ولكنها النهنهة كما لو كان يعاتبها محذرًا من تكرار ذلك.
وإذا ما حللنا هذا الموقف مستخدمين لغة التفاوض التي يعرفها الكبار لاستطعنا أن نتبين بسهولة أن الطفل في هذه السن المبكرة - سن ما قبل المدرسة - قد استوعب قيمة مالديه من أداة لإدارة الصراع، وطور تلك الأداة لتتخذ أشكالًا مختلفة، واستخدم كل شكل في توقيته المناسب، فللصراخ وقت يختلف عن وقت الأنين وللنهنهة وقتها المناسب كذلك. ومن ناحية أخري فقد توافرت لديه المرونة الكافية للإقلاع عن استخدام سلاح لم يعد مناسبًا للموقف، فلم يستمر في ممارسة شكل محدد من أشكال البكاء بعد أن أدرك بشكل واقعي عدم جدواه. بل انه استوعب أيضًا أهمية الاستفادة من إمكانية تعديل الطلبات، فلا بأس من الحصول علي بعض اللعب والحلوى وحب الجدة أيضًا، كثمن معقول للكف عن البكاء، ولكن تقاضيه ثمنًا للتهدئة لا ينبغي أن يفهم علي أنه تنازل عن المطلب الأساسي ومن هنا كانت نهنهة العتاب.
لقد اكتفينا بهذا الموقف فحسب من بين العديد من المواقف التي تكشف عن حقيقة مؤداها أن الأطفال يمارسون بالفعل مهارات إدارة الصراع بالتفاوض منذ البدايات الأولي لحياتهم. إنهم يمارسون في البداية العديد من أساليب التحالف والتفاوض، والرفض اللفظي المعلن ، والاحتجاج السلبي بكافة مظاهره التي تصل بالأطفال أحيانًا إلي ممارسة أشكال جنينية من "العصيان المدني" كرفض التحرك مع عدم تنفيذ التعليمات، وكالامتناع عن تناول الطعام إلي آخره. ولكنهم للأسف لا يستمرون كذلك فنحن الكبار إيثارا لهدوئنا واستقرار مجتمعاتنا علي ما هي علي، ونفورًا من دفع ثمن التغيير، نتكاتف لدفع أطفالنا إلي ما يتنافي مع فطرتهم التلقائيّة الطبيعيّة . الطفل بفطرته محاور ، ندفعه إلي الصمت . الطفل بفطرته متسائل، ندفعه إلي تقبل التلقين. الطفل بفطرته مفاوض فعّال، ندفعه إلي الجمود العدوانيّ . الطفل بفطرته تلقائي ، ندفعه إلي التصنع والمداهنة ، الطفل بفطرته ميّالٌ للمشاركة ، ندفعه إلي الإنطواء والتوجس من الآخرين . ولم يكن غريبًا بعد كل ذلك، أن تؤدّي تنشئتنا لأطفالنا إلي حيث لا يجد الطفل أمامه لمواجهة مواقف الحياة إلّا واحدًا من سبيلين لا ثالث لهما : إمّا التصدّي بالعنف لإزالة ما يحول بينه وبين ما يريد تحقيقه ، ذلك إذا ما استطاع ، فإذا لم يستطع ، وكانت العقبة أقوي من إمكاناته ؛ لم يعد أمامه إلّا الانتحار أو الاستسلام بلا شروط.
نحن جميعًا نمارس التفاوض طيلة الوقت وطيلة الحياة
لو حاول أي منا أن يكتب قائمة تتضمن ما يريده من الآخرين، لوجد أن هذه القائمة تمتد إلي ما لانهاية، وأنها تضم قائمة بالغة التنوع والاختلافات إجازة من العمل، زيادة في المرتب، مشتريات أفضل بأسعار أقل، إعفاءات ضريبية، الحصول علي أعلي سعر لأشياء نعرضها للبيع، إلي آخره• ولا تقتصر القائمة علي تلك الأمور المادية المحسوسة فحسب• نحن نريد من الآخرين كذلك العديد من الأمور المعنوية التي قد تفوق في قيمتها أحيانًا الأمور المادية كالعدالة، والحرية ، والحب والأمن، والمكانة الاجتماعية وما يرتبط بها من ألقاب ونياشين وأوسمة •
خلاصة القول أن ثمة سنة من سنن الكون مؤداها أنه لا يوجد فرد يستطيع تحقيق احتياجاته جميعًا بمعزلٍ عن الآخرين، وأن الجميع في حاجة للجميع، ومن ثم فإننا جميعًا نمارس التفاوض طيلة الوقت وطيلة الحياة
إنك لو نظرت إلي عالم البشر المحيط بك لوجدته عبارة عن مائدة مفاوضات هائلة لا حدود لها• الجميع يجلسون حولها، وكافة الموضوعات مطروحة عليها للتفاوض• وأنت طرف مشارك في هذه المفاوضات• شئت أو أبيت• تكلمت أو اكتفيت بالإيماءات أو حتى التزمت الصمت• كبيرًا كنت أو صغيرًا• ذكرًا كنت أو أنثي• إنك تتفاوض دائمًا مع أفراد أسرتك، ومع رؤسائك، ومع مرؤوسيك، ومع منافسيك، ومع البائعين، ومع المشترين إلي آخره• بل انك تتفاوض أيضًا مع رموز ومؤسسات معنوية كإدارة المدرسة، وإدارة المرور، ومصلحة الضرائب، وشركات الطيران، وإدارة الكهرباء إلي آخره• وقد تكون أنت شخصيًا رمزًا لأي من مثل تلك المؤسسات وتتفاوض باسمها مع طرفٍ أو أطراف أخري• تري ماذا يجري داخل تلك الشبكة المعقدة من عمليات التفاوض؟
حول آليات الضغط في عملية التفاوض
يمارس المفاوضون خلال مفاوضاتهم العديد من آليات الضغط لتحقيق أهدافهم، وتفيض الكتابات في هذا الصدد بما لا حصر له من تلك الآليات، نكتفي بعرض بعض عناوينها:
• الإنهاك بالتوريط ( مثال: مفاوضات الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي في السبعينيات و استغلال أزمة القمح في الضغط علي السوفييت رغم ارتفاع السعر الذي عرضه)
التوريط بالوقت: التفاوض حول تحديد موضوع التفاوض، و التوقيت، و المكان ، و أولويات موضوعات التفاوض
التوريط بالمال: زيادة تكلفة إقامة الوفود، و مكافآت المستشارين
التوريط بالجهد: إثارة العقبات القانونية، و حشد البرنامج ببرامج بروتوكولية.
• التلويح بوجود منافس لديه عرض أفضل
• التدرج (خذ و طالب: نموذج كيسنجر) في مقابل الخبطة الواحدة و تعني عمليا رفض التفاوض (حين يحس المفاوض أن الوقت غير مناسب: نموذج اللاءات العربية)
• المخاطرة (التعريق- الدفع إلي الحافة:نموذج مولوتوف)
• توزيع الأدوار: المفاوض الشرس، والرئيس الطيب
• الإحاطة بالاحتياجات والقدرات الحقيقية للطرف الآخر وليس مجرد مطالبه المعلنة
• العلاقات الشخصية مع الجانب الآخر:المناسبات الشخصية. اللمسات الإنسانية.
• الالتزام بالمعايير الاجتماعية تمايزًا، أو التجاوز عنها مجاملة
• السوابق التاريخية (مثال: كامب دافيد في مؤتمر مدريد)
• الضغط بالملل ( لن أغادر مقعدي قبلك)
• البرود الانفعالي (الأسوأ هو من يفاوض باسم نفسه)
المعلومات والتفاوض
تلعب المعلومات دورا أساسيا في توجيه عملية التفاوض، سواء كانت تلك المعلومات متعلقة بموضوع التفاوض، أو بشخصيات المفاوضين• إن معرفة التاريخ الشخصي لأفراد وفود المفاوضات، واتجاهاتهم السياسية والدينية، بل و حتى تواريخ ميلادهم ، قد تلعب دورا في مرحلة ما من مراحل التفاوض•
وينبغي علي المفاوض أن يحدد قبل بدء المفاوضات أي المعلومات يطلب معرفتها عن الطرف الآخر، وأي المعلومات يود إيصالها إليه، وأيها يسعي لإخفائها عنه• ولعل أهم ما يسعي المفاوض إلي معرفته هو الحد الأدني الحقيقي الذي لا يستطيع الطرف الآخر في المواجهة النزول عنه، وهو الأمر الذي تحرص الأطراف المتفاوضة علي إخفائه عن بعضها البعض• أما إذا كانت المفاوضات تجري بين طرفين متعاونين ، أي أنها بالأحري نوع من المباحثات التعاونية التي تستهدف حل مشكلة معينة، فإن المعلومات المطلوبة في هذه الحالة تتركز في التعرف علي احتياجات الطرف الآخر واهتماماته ورغباته بهدف التوصل إلي الأساليب البديلة لإشباعها•
أما فيما يتعلق بالمعلومات التي يحرص المفاوض علي إخفائها عن الطرف الآخر، فإنه ينبغي أن يكون مهيئًا للتصرف إذا ما سئل عنها مباشرة؟ هل يكذب، ويضحي بمصداقيته خاصة إذا ما كان مفاوضًا محترفًا؟ هل يتجاهل السؤال ويرد بسلسلة من الأسئلة الاستيضاحية؟ هل يقرر صراحة أن هذا الموضوع سري لا يجوز الإفصاح عنه؟
ولا تقتصر إدارة المعلومات علي مستوي تبادل المذكرات المكتوبة، كما لا تقتصر أيضًا علي الحوار بالكلمات، فالاتصال بين البشر لا يقتصر علي الألفاظ وحدها، بل إننا قد لا نكون مبالغين إذا ما قلنا أن الجانب الأكبر من فهمنا لما نسمعه من ألفاظ يعتمد علي ما يحيط بتلك الألفاظ من تعبيرات غير لفظية•
الاتصال غير اللفظي والتفاوض
لا يقتصر الاتصال بين البشر علي الألفاظ وحدها، بل اننا قد لا نكون مبالغين إذا ما قلنا أن الجانب الأكبر من فهمنا لما نسمعه من ألفاظ يعتمد علي ما يحيط بتلك الألفاظ من تعبيرات غير لفظية•
ويشير توماس جيورنسي Thomas F. Guernsey أستاذ القانون الدولي في كتاب له صادر عام 1996 بعنوان الدليل العملي لعملية التفاوض إلي أهمية الاتصال غير اللفظي في مسار عملية التفاوض حيث يصنف تلك الأشكال علي الوجه التالي:
تعبيرات غير لفظية تتعلق بالزمن Chronemics : تصدر عن المفاوضين العديد من التصرفات المقصودة أو غير المقصودة التي تحمل للطرف الآخر رسائل تتعلق بالتوقيتات مما لا يكون من اللائق التعبير عنها لفظيا، أو مما يكون من المستحسن ترك الطرف الآخر يستنتجها كما لو كان يكتشف سرا• إن الحضور إلي مقر المفاوضات وبصحبتك حقيبة السفر، أو طلب معلومات عن مواعيد الرحلات الجوية، أو الاعتذار عن بعض الجلسات بدعوي الانشغال، أو تحديد موعد اللقاء بحيث يكون بين موعدين آخرين، أو حتي مجرد النظر في ساعة اليد، كلها تصرفات تحمل للطرف الآخر معلومات هامة تتعلق بمدي اهتمامه بالموضوع، وانعقاد نيته علي إنهائه حتي دون التوصل لنتيجة•
تعبيرات جسميةKinesics : : لقد كانت أولى أشكال الاتصال البدائى تتمثل فى استخدام الانسان للتعبيرات الجسمية كوسيلة لنقل انفعالاته وأحاسيسه إلى الآخر • وقد شملت تلك التعبيرات الجسيمة أجزاء الجسد جميعا :العيون ، الأنف ، الشفتين ، الذراعين ، اليدين ، الأصابع، الكتفين ، حركة الجسد ككل ••• إلى آخره • ومازالت لغتنا اليومية المنطوقة بل والمكتوبة أيضا تحمل آثارا من تلك اللغة القديمة ، لغة التعبيرات الجسمية • ويكفى أن نتأمل تعبيرات مثل : " أوليته ظهرى"• "فتح له ذراعيه"• "شمخ بأنفه"• "ربت عليه"• "قلب شفتيه"• "تمايل طربا"• "هز كتفيه" ••• إلى آخره • ولو حاولنا أن نصنف تلك اللغة القديمة وفقا للتصنيفات التى تعرفها علوم الاتصال الحديثة ، لوجدنا أنها نوع من أنواع الاتصال الشخصى ، أو بعبارة أخرى أكثر أصالة "الاتصال وجها لوجه " • ولايفوتنا فى هذا المقام أن نشير إلى تعبيرنا العامى الدارج "عينى فى عينك " بمعنى واجهنى مباشرة لأعرف مدى صدق ما تنطق به •
تعبيرات غير لفظية تتعلق بتهيئة مكان التفاوض Proxemic : إن مجرد اختيار مكان المفاوضات، وطريقة تهيئة المكان، قد تحمل من الدلالات ما يكشف عن نوايا وتوقعات القائمين علي الإعداد• فقد تم -علي سبيل المثال- إعداد مكان إحدي دورات التفاوض غير الرسمي بين عرب و إسرائليين في قصر قديم بقرية سويسرية منعزلة علي قمة جبل، تنعدم فيه الاتصالات بالعالم الخارجي بحيث لا يكون أمام المفاوضين إلا التفاعل معا• في حين كانت قاعة الأعمدة في مدريد محاطة بالعديد من التليفونات التي تتيح للمشاركين الاتصال بأي مكان في العالم•
مصاحبات اللغة Paralinguistic :: رغم أن الجانب المنظور من المفاوضات والذي يتجسد في الاتفاقيات التي يصل إليها أطراف التفاوض يكون عادة في شكل وثائق مكتوبة، إلا أن الجانب الأكبر من عملية التفاوض يدور في شكل حوار لفظي• ويختلف الحوار اللفظي عن الكلمات المكتوبة بأنه يكون مصاحبًا لتأكيد علي كلمات بعينها، وتغيير في نبرات الصوت، وفي سرعة الكلام أو بطئه، وفيما يتخلله من لحظات التوقف وما إلي ذلك من مصاحبات قد يكون لها من الدلالة ما فوق دلالة الكلمات ذاتها
خاتمة: نظرة إلي المستقبل
• اتقان مهارات التفاوض شرط لاقتحام المستقبل
• البداية هي تدريب أطفالنا وتزويدهم بتلك المهارات : تحمل الاختلاف ، الاصرار علي السعي لنيل المطالب ، العنف هو الاختيار الأخير ، تطوير مهارات الحوار والمناظرة