الخميس، 27 أكتوبر 2011

لكي لا نكرر مأساة ماسبيرو

http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/109254.aspx

لكي لا نكرر مأساة ماسبيرو
د. قدري حفني
Kadrymh@yahoo.com
إن فظاعة ما جري في ماسبيرو يوم التاسع من أكتوبر 2011، قد تغري بمحاولة الطمأنة و المواساة؛ و لكن الضمير العلمي و الالتزام الوطني يحتمان التوجس من احتمال تكرار ما حدث بصورة أو بأخرى.
لقد جري ما جري و تتبعناه كالعادة مسجلا بالصوت و الصورة: منذ تصاعد الشحن الطائفي السياسي الإعلامي إثر انتصار 11 فبراير، و ما صاحبه من مظاهرات و اعتصامات مسيحية متكررة في ماسبيرو، إلي ما حدث في قرية برناب ثم المسيرة الأخيرة، إلي أن سالت الدماء و سقط الضحايا في مجزرة غير مسبوقة. فماذا حدث بعد ذلك؟
لقد تبرأ الجميع مما حدث، دون أن يعترف أحد بمسئوليته و لو جزئيا، مما يعني أن أحدا لا يري أنه أخطأ، بل تصرف التصرف الصحيح المناسب للحال: يري المسيحيون أنه لم يكن أمامهم سوي تصعيد احتجاجهم السلمي بعد تصاعد وتيرة الاعتداء علي الكنائس مؤخرا، و من ناحية أخري لم يكن أمام القوات المسلحة المكلفة بحماية مبني التلفزيون - رغم أن أسلحتهم خالية من الطلقات الحية - سوي التصدي لمن يطلقون عليهم الرصاص و يقذفونهم بالزجاجات الحارقة، و من ناحية ثالثة فإنه بسبب الارتباك و العنف حدثت تجاوزات غير مقصودة من التلفزيون، و من بعض جنود القوة المكلفة بحراسة المبني. تري ألا يعني ذلك أن الأطراف جميعا مستعدة لتكرار ما حدث بتفاصيله إذا ما توافرت الظروف و هي ما زالت للأسف متوافرة بكل تأكيد.
إن تاريخ المسيحيين في مصر يشهد حقا بإحجامهم عن العنف، و تاريخ الجيش المصري الذي تجمع صفوفه بين الأقباط و المسلمين ينفي عنه بالتأكيد تهمة الطائفية البشعة، و القوي السياسية جميعا سواء أعضاء تنظيمات الحزب الوطني المنحل، أو جماعات الإسلام السياسي بأطيافها جميعا، أو الأحزاب القديمة و الجديدة، أو ائتلافات شباب الثورة علي تعددها؛ الجميع يبدو منشغلا مستغرقا في ترتيب صفوفه لخوض الانتخابات الوشيكة، و الجميع يمني نفسه بفوز ما. و ليس من المألوف أن يقدم فريق علي إثارة الاضطراب قبل أن تبدأ المباراة مما قد يؤدي إلي إلغاءها.
تري إذا ما كنا جميعا أبرياء فمن الذي فعلها؟ لقد أشار قداسة البابا شنودة و ورد كذلك في تصريحات أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إن فئة مأجورة اندست بين المتظاهرين لارتكاب تلك الجريمة.
إن الذين شاهدناهم بأعيننا و سجلتهم عدسات التصوير يمسكون بالعصي و السيوف و الزجاجات الحارقة هم غالبا أولئك "البلطجية" الذين سبق مشاهدتهم في مناسبات شتي قبل و خلال و بعد 25 يناير و نعرف جميعا أنهم يؤدون "عملهم" لحساب من يستطيع تمويلهم و تأمينهم؟ و لكن تري من هي الجهة التي تملك المال و النفوذ لاستئجار أولئك البلطجية و تسليحهم و توجيههم و تأمينهم؟
إن المجموعة السياسية الوحيدة المحرومة من خوض الانتخابات، هم رؤوس النظام السابق و لكنهم المحتجزون وراء القضبان في انتظار الانتهاء من محاكمتهم، و توشك آمالهم أن تندثر نهائيا بتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم لسلطة مدنية منتخبة، و هم علي معرفة دقيقة بامتدادات خيوط السلطة في المجتمع؛ و لكن تري هل ما زال لديهم من المال و النفوذ ما يمكنهم من دفع البلاد إلي هاوية دموية قد تحيي الأمل في عودتهم بشكل ما للسلطة أو علي الأقل إفلاتهم من العقاب؟ و لو كان ذلك صحيحا فهل بمقدورهم تنفيذه دون توافر حليف له سطوة لا تقاوم و قدرة لا حد لها علي التمويه؟ أم تراهم قد فقدوا الأمل و القدرة و أن ثمة طرفا آخر ما زال متخفيا هو من خطط و مول و أدار لحسابه كل ما حدث؟
و أخيرا، هل صحيح أن قوائم الجرحى و الضحايا قد خلت من أي من أولئك البلطجية المندسين؟ لو كان ذلك صحيحا فكيف استطاعوا في ظل تلك الفوضى الدموية من الإفلات سالمين؟ و هل صحيح أن قائمة من تستجوبهم النيابة المختصة قد خلت أيضا حتى الآن من ذلك المحرض الذي يمتلك من النفوذ و المال ما يكفي لحشد هؤلاء و تحريكهم بل و حمايتهم؟
بقيت كلمة:
ليس متصورا أن سيناريو المذبحة كان مخططا بحيث تنتهي عند تلك النقطة التي توقفت عندها، بل كان المتوقع أن تهب جماهير المسلمين لتحرق المزيد من الكنائس و تدمر أولئك المسيحيين الذين يعتدون علي جنود جيش مصر، و ربما حال دون اكتمال ملامح الكارثة ما لم يكن في حسبان المخططين، و هو أن الكتلة الأساسية لجماهير المصريين رغم الشحن الطائفي المستمر طيلة السنوات الماضية ما زالت غير جاهزة تماما لحرق الوطن.
و لكن ذلك لا يستبعد الإقدام علي محاولات جديدة و ليس من سبيل للتصدي لذلك سوي إنجاز أمور ثلاثة:
• الإلحاح علي ضرورة كشف من قام بالتخطيط للمذبحة و تمويلها أيا كانت هويته دون الوقوف فحسب كما اعتدنا عند الأدوات المنفذة.
• أن نعترف بأن إحساس الأقباط في مصر بالتمييز ضدهم ليس وهما و لا مؤامرة و لا ابتزازا، بل هو حقيقة ينبغي الاعتراف بها أولا لكي نستطيع تحديد حجمها الواقعي و سبل مواجهتها و مدي استعدادنا لدفع ثمن تلك المواجهة.
• الدفع في اتجاه الالتزام بإجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة، باعتبارها الضمان الحقيقي للاستقرار السياسي و الأمني و الاقتصادي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق