الخميس، 12 يوليو 2012

هكذا كنا نتحاور منذ أعوام قليلة

مقال منشور بجريدة الأهالي في 15 إبريل 2009 

حوار قديم متجدد حول المقاومة بالسلام


د. قدري حفني

kadrymh@yahoo.com

نشهد بيننا و من حولنا ما يشبه التخوين لدعاة المقاومة بالسلام، و إن كان التجاوز إلي حد التخوين لا يوحد الصفوف، فإن التوجس من فكرة "المقاومة بالسلام" يبدو توجسا مشروعا و مفهوما خاصة بالنسبة لنا و قد عشنا طويلا في ظل ثقافة تقوم علي مبدأ أنه لا سبيل لاستعادة الحقوق التي اغتصبت بالقوة سوي باستخدام نفس السلاح الذي اغتصبت به تلك الحقوق, فما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة. و يستند هذا المنطق إلي عدد من الحجج الوجيهة لعل أهمها أن الطرف القوي ما دام قويا فإنه لا يأبه بالرأي العام و لا بالشرعية الدولية و لا بالقيم الإنسانية و الدينية و من ثم فلا سبيل لمقاومته سوي بكسر قوته عن طريق العنف. و أن الدعوة إلي المقاومة بالسلام قد تؤدى لتكريس نوع من الاستسلام للقوة و محاولة الرهان علي إقناع الطرف الأقوى بالحجج المنطقية أو استدرار رحمته و عطفه. و أنه إذا كان ثمة مجال للدعوة لثقافة سلام أيا كانت فينبغي أن توجه إلي الظالمين, و المحتلين, و منتهكي المقدسات الذين قابلوا حجارة الفلسطينيين بالرصاص، و شنوا مجزرة وحشية علي غزة المحاصرة.

و عادت بي الذاكرة إلي أعوام بعيدة إثر توقيع اتفاقية السلام حين تبنيت ما أطلقت عليه "إستراتيجية السلام الهجومي"، و دعوت إلي حوار جماعي علني مباشر مع الإسرائيليين الوافدين إلي مصر باعتبار ذلك الحوار من أدوات تلك الاستراتيجية و إن لم يكن أهمها، و قد لاقت تلك الدعوة آنذاك هجوما و استنكارا من جانب العديد من الأصدقاء المصريين و العرب و إن لاقت قدرا من التقبل و المساندة من جانب بعض الإخوة الفلسطينيين. كنت آنذاك متحمسا لفكرتي و لكني كنت موقنا بأنه لا قيمة لها إذا لم تجد قبولا من تيار مؤثر داخل الصف الوطني و لذلك فقد فضلت أن أظل داعيا للحوار ممتنعا عن ممارسته الفعلية.

في ظل هذا المناخ التقيت مصادفة في أحد الممرات في كلية الطب بجامعة عين شمس بالصديق العزيز الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة الذي كان متحفظا علي ما ٍكنت أدعو إليه, و إثر تبادل بعض العبارات الودودة و المتحدية في نفس الوقت سألني الدكتور عكاشة عما إذا كنت أتحمل مواجهة مجموعة من طلاب الدراسات العليا يوشك أن يلتقي بهم في سيمينار علمي لأطرح عليهم أفكاري. كانت الدعوة مفاجئة و لذلك كان اللقاء تلقائيا. و قد عبر الطلاب عن رفضهم للمعاهدة، و كراهيتهم لإسرائيل، و رغبتهم في أن تتحرر فلسطين و الجولان من نير الاحتلال الإسرائيلي، كما عبروا عن يقينهم بأن المقاطعة هي السلاح الوطني الناجع في مواجهة إسرائيل, و استمعت بكل الاحترام لآراء الشباب التي كانت تحمل اتهاما لكل ما يتعارض مع شعار المقاطعة و كل ما به شبهة الدعوة للتطبيع، و الاحتجاج بأنه طالما أن إسرائيل ترفض السلام، فلا جدوى من حديث عن السلام. و أكدت لهم أنني بحكم تاريخي الشخصي و خبرتي الراهنة أتفق معهم في كافة المقدمات و لكني أختلف فيما يتعلق بما انتهوا إليه من أن المقاطعة هي السلاح الوطني الناجع للضغط علي إسرائيل و مقاومتها.

و لا يتسع المقام لعرض تفاصيل ما دار في الحوار، كما أنني لا أزعم أنني أقنعت هؤلاء الشباب، و إن كنت أظن أن ما طرحته أثار تفكيرهم خاصة حين دعوتهم لتشكيل مجموعات منهم تبدأ بالتدريب علي فنيات الحوار الجماهيري و التزود بما هو لازم من معلومات عن تطورات الصراع مع إسرائيل ثم الانطلاق للبحث عن الإسرائيليين في أماكن تواجدهم بالمزارات السياحية في القاهرة و غيرها و دعوتهم للحوار العلني حول الحق الفلسطيني. "اسألوهم لماذا تقتلون الفلسطينيون و تقيمون في بيوتهم؟" و استغرقنا الحوار في تفاصيل ما يمكن حدوثه: ماذا لو رفضوا الحوار؟ ماذا لو دعونا لزيارة إسرائيل؟ ماذا لو تهجموا علي ثوابتنا الوطنية؟ و انتهي اللقاء علي أمل استئنافه في مرة قادمة لم تأت أبدا, و الجدير بالتأمل أن فدعوتي – و إن أثارت التفكير- فقد لاقت تحفظا أمنيا مفهوما لما تتضمنه من مخاطر في ظل الحرص علي استمرار "السلام البارد" مع إسرائيل, بحيث يستمر التطبيع في صمت في ظل المقاطعة النخبوية، فضلا عن أنها لاقت رفضا من أنصار المقاطعة و علي رأسهم القوميون و رفاق مسيرة اليسار، و كان للأمانة رفضا راقيا لم يتضمن إهانة شخصية، بل شابه إشفاق علي تاريخي الوطني.

و لقد حدث أن شاركت في تلك الفترة في بحث بعنوان "رؤي الصراع" شارك فيه بعض العلماء الإسرائيليين إلي جانب الفلسطينيين. صحيح أنني أقدمت علي تلك المشاركة –إلي جانب اقتناعي الشخصي- تلبية لتشجيع منظمة التحرير الفلسطينية فضلا عن المسئولين المصريين عن الإدارة الوطنية للعلاقات مع إسرائيل, و رغم ذلك فقد كنت أعي و أتفهم حرص العديد من المثقفين المصريين على مقاطعة أي شكل من أشكال العلاقة بإسرائيل و الإسرائيليين, و كنت رغم التفهم لموقف المقاطعة أتحفظ عليه مبدئيا. و ما أن انتهي البحث حتى فكرت فورا في نشر قصته و نتائجه, و أذكر أن العديد من الأصدقاء همسوا آنذاك في أذني بكل المودة و الإخلاص: لماذا تجلب لنفسك المشاكل و تستثير المزيد من العداوات؟ أليس الأفضل أن تصمت فلعل أحدا لا يقع علي ذلك البحث الذي لم ينشر باللغة العربية؟ و لم أقبل نصائح الأصدقاء لأنني لم أر فيما قمت به فضيحة ينبغي مداراتها, و لا عملا استخباريا ينبغي أن يظل طي السرية. و أتاح لي الصديق الأستاذ الدكتور إبراهيم البحراوي فرصة نشر حلقات متتالية من نتائج البحث علي صفحة خصصتها له جريدة الأخبار لتناول القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي, وأثار ذلك النشر نقدا ساخنا نشرته جريدة الأخبار، و كان علي رأس المنتقدين للبحث و ما يشوبه من شبهة التطبيع الدكتور سعد الدين إبراهيم.

و إثر انتهاء تلك السلسلة من المقالات نشر الأستاذ حازم هاشم في جريدة الشعب المصرية المعارضة في 20 ديسمبر 1983مقالا يناقش فيه الموضوع بعنوان "ساسة و علماء مصريون في خدمة أبحاث إسرائيل"؛ و عنوان المقال غني عن عرض تفاصيله؛ و انزعج بعض الأصدقاء مما نشر, و نصحوني بالصمت و عدم الرد بدعوي أن الرد سوف يثير الأستاذ حازم هاشم و قد يزوده بمادة تحفزه علي مزيد من الهجوم خاصة و أن الموقف ملتهب سياسيا, و كان لي رأي آخر: حصلت علي رقم تليفون الأستاذ حازم هاشم و اتصلت به و اقترحت عليه إذا لم يكن لديه مانع أن نلتقي لنتناقش في الموضوع, و بالفعل فقد شرفت باستقباله في منزلي حيث دار بيننا حوار طويل استغرق ثلاث ساعات. لم يغير الأستاذ حازم هاشم موقفه من "التطبيع" و لم أعدل من تحفظاتي علي ذلك الموقف, و عرضت عليه أن أكتب تعقيبا علي ما نشره, و بالفعل كتبت مقالا بعنوان "حوار معاتب و ليس تكذيبا" و بالفعل وجد المقال طريقه للنشر علي صفحات جريدة الشعب في 27 ديسمبر 1983 و كتب الأستاذ حازم هاشم بعد ذلك مشيرا إلي زيارته لي قائلا "غادرت منزله و نحن علي خلاف في وجهات النظر و لكننا أصدقاء" ،

و في نفس الفترة اقترحت علي الصديقين محمد سيد احمد و فيليب جلاب أن نلتقي لأطرح لهم أفكاري، و قبل أن نلتقي نشر الأستاذ محمد سيد أحمد علي صفحات هذه الجريدة "الأهالي" في 22 فبراير 1984 مقالا بعنوان " حوار مع قدري حفني ومحمد شعلان" جريدة الأهالي ، العدد 124 ، 22/2/1984 جاء فيه " والجدير بالملاحظة أن بعض المشاركين من الجانب المصري في هذه البحوث أساتذة انتسبوا تاريخيًا إلي اليسار• أذكر علي سبيل المثال لا الحصر، الدكتور قدري حفني، أستاذ علم النفس المساعد بآداب عين شمس، وكان زميلنا في معتقل ابوزعبل وسجن الواحات في بداية الستينات• وقد فاتحني أصدقاء في أن مقاطعتنا تنسحب علي الإسرائيليين، ولا يجب أن تمتد إلي المصريين الذين لا يقاطعونهم، وإلا تمادوا في موقفهم• وكان هناك ما يبرر إجراء حوار معهم، لمقارعة الحجة بالحجة، ولامتحان الحجج في مواجهة مباشرة، خاصة مع هؤلاء الذين جمعتنا معهم مواقف وتضحيات في الماضي دفاعًا عن القضية الوطنية ... قبلت من حيث المبدأ، وبصفتي الشخصية إجراء حوار مع الدكتور قدري حفني والدكتور محمد شعلان. ولكني رأيت أن أشير إلي هذا الحوار قبل بدئه علي صفحات (الأهالي)، ذلك لأنه موضوع ساخن من حق الجمهور متابعته، ولأنه - أيضًا - موضوع لا أستطيع أن أغفل بشأنه صفتي والتزاماتي الحزبية والوطنية. فإن القبول بمبدأ فتح حوار حول أية قضية، مهما كانت شائكة، وإيا كانت المحاذير التي تحيط بها شيء، وتوقع أن مثل هذا الحوار (الحر) يمكن أن يترتب عليه خروج علي ضوابط والتزامات حزبية ووطنية شيء آخر غير وارد تصوره قط"

و التقينا بالفعل في منزل الصديق محمد سيد احمد و دار حوار استغرق عدة ساعات، و لم يجد سبيله للنشر، و تلته و ما زالت حوارات عديدة، و ما زلت علي يقيني بأنه ما زالت هناك إمكانية لممارسة المقاومة بالسلام، و أن استنفاذ تلك الإمكانية أولا يكاد يكون فرض عين، و أن "الواقعية" لا تعني بالضرورة القبول بالاستسلام، كما أن "المقاومة بالسلاح" لا تعني الثورية دائما، و بعد هذا كله بل قبله جميعا يبقي يقيني بأننا جميعا في زورق واحد و أنه ليس من ذنب أخطر من مفارقة الجماعة. و صدق شاعرنا العربي القديم حين قال:

نصحتكمو أمري بمنعرج اللوا فلم تستبينوا النصح إلا ضحي الغد

و ما أنا إلا من غزية إن غوت غويت و إن ترشد غزية أرشد



السبت، 7 يوليو 2012

الستينات و ما أدراك ما الستينات

قال الرئيس مرسي في خطابه الشهيرفي ميدان التحرير، و هو يستعرض تاريخ ما قدمه الشعب المصري من شهداء "أحيي شهداء الستينات . الستينات. و ما أدراكم ما الستينات"؛ و رغم أنه لم يذكر صراحة أنه يقصر حديثه علي الإخوان المسلمين، فقد انهالت التعليقات مؤكدة ذلك و منددة به و مركزة علي ما شهدته حقبة الستينات من إنجازات. و قد دفعتني تلك التعليقات إلي تساؤل منهجي و ذكريات تاريخية كشاهد علي ذلك العصر. من الناحية المنهجية ينبغي الحذر من أن يندفع المرء مدافعا عن الجماعة السياسية أو الفكرية التي ينتمي إليها إلي حد ألا يري أخطاءها و أن يبرر خطاياها. و من ناحية أخري فلا ينبغي للمرء أن تدفعه إدانته السياسية أو الفكرية لجماعة سياسية أو فكرية إلي تجريدها من أية إيجابية أو تلويث تلك الإيجابيات. مثل ذلك الموقف لا يعتبر خطأ منهجيا فحسب بل هو أيضا خطيئة سياسية حيث يؤدي عمليا إلي تكريس تقديس رموز بشرية تاريخية، و من ثم يبرير تكرار نفس الخطايا في المستقبل. الناصرية لا تعني تبرير انتهاك الحريات و تعذيب المعتقلين إلي حد القتل و من ناحية أخري فإن رفض الناصرية لا يعني إدانة الانحياز للفقراء و بناء السد العالي إلي آخره.


لقد كانت تلك الحقبة الستينية حافلة بالإنجازات و الانكسارات. كانت الحقبة التي شهدت قرارات التأميم و إنجاز بناء السد العالي، و هي ذات الحقبة التي شهدت للمرة الأولي في تاريخ مصر تكريسا رسميا لفصل الذكور عن الإناث في التعليم الجامعي بإنشاء كليات جامعة الأزهر. هي الحقبة التي شهدت قيام الوحدة المصرية السورية كما شهدت انهيارها. هي الحقبة التي شهدت أعنف حملة اعتقالات و تعذيب للمنتمين لكافة التيارات السياسية المعارضة كالإخوان المسلمين، و المختلفة مع النظام كالشيوعيين. هي الحقبة التي شهدت واحدة من المرات النادرة التي خرج فيها الجيش المصري ليقاتل و تسيل دماؤه خارج حدوده الوطنية في اليمن. هي الحقبة التي شهدت هزيمة 1967 و ما دفعناه علي أرض سيناء من دماء و إحساس بالمرارة. هي الحقبة التي كرست سلطة الحزب الواحد.

تري هل يمكن اختزال ذلك كله في عبارة واحدة تدين أو تشيد بحقبة الستينات؟ و هل من ضير و نحن نتحدث عن الشهداء أن نردد مع محمد مرسي "الستينات و ما أدراك ما الستينات". لعله لو قالها في سياق حديث عن الانفتاح الاقتصادي لكان لها مذاق آخر. إن التركيز علي إدانة التعذيب و انتهاك الحريات في الستينيات و في غيرها قد يساعدنا علي ضمان عدم تكرار ذلك في المستقبل تحت أي ذريعة أو مبرر و ما أكثر الذرائع و المبررات التي ما زالت جاهزة للاستخدام حتي الآن.



الأربعاء، 4 يوليو 2012

حوار مع مجلة صباح الخير


الدكتور قدري حفني لصباح الخير[1]

كان بمقدور الدكتور مرسى أن يعلن قيام  الدولة الإسلامية عقب فوزه  ولكنه قرر أن يتناغم مع التنوع 

مصر عصية على التقسيم وتنوعها الجغرافي يضمن مدنيتها

(العين مفتوحة على مرسى ) وأتوقع أن تكون تجربة النظام الإسلامي في مصر  فريدة

رئيس مصر الحالي نالته الألسن قبل أن يصبح رئيسا ولا تزال تناله  حتى الآن

مصر انقسمت سياسيا ولم تنقسم دينيا في الانتخابات الرئاسية وهو أمر صحي ولا يمثل خطورة  

أستبعد تدخل أمريكا في اللحظات الأخيرة لإعلان النتيجة والكلام عن وجود صفقات غير منطقي

 لحظة تولي الحكم تكون هي لحظة الحقيقة وخطاب مرسى كان عقلانيا وطمأن الجميع




هايدى فاروق

توجهت للدكتور قدرى حفني أستاذ علم النفس السياسي وبداخلي أسئلة عديدة فلا يزال الكثير منا بعد فوز الدكتور محمد مرسى في حاله صدمة.. فرحة لم تكتمل خوف من الغد الكثير من التساؤلات حول مستقبل مصر وهل ستتحول مصر لدوله إسلامية وكيفيه كسر حاجز الخوف من الإخوان المسلمين الخوف الذي يتشارك فية مسلمي ومسيحي مصر وكيفية فتح صفحة جديدة مع جماعه كنا نعتبرها خطرا على الأمن القومي طيلة ستون عاما ...أسئلة كثيرة عن جماعه محظورة كانت تعمل فى الخفاء وعن نفسية السجين عندما يصل لسدة الحكم


وقد أكد الدكتور قدرى حفنى خلال حواره  على  أن مصر انتخبت على أساس سياسي وليس طائفي وأن الانقسام فى مصر انقسام صحي  فالرئيس المنتخب محمد مرسى فاز بنسبه 52% فقد أنتهى عصر النجاح المكتسح وأن أي رئيس سيأتي لحكم مصر ستناله الألسنة والنقد قبل وبعد تولية سده الحكم .

وأوضح حفني أن الدكتور  محمد مرسى يبدو أنه يدرك جيدا تنوع الشعب المصري وأن تجربة النظام الأسلامى فى مصر ستكون تجربة فريدة وما يجعلها فريدة هي طبيعة مصر وليست نوايا من يحكم.

وأكد  قدرى أن على جماعه الأخوان أن تصحح صورتها أمام الشعب المصري مشددا على ضرورة كسر حاجز الخوف بينها وبين المصريين وأنه لا خوف من أن يحكمنا سجين فهذا أفضل من أن يحكمنا السجان .وإلى نص الحوار



كيف ترى المشهد الحالي ؟

أذا رجعنا بالذاكرة كان هناك في الفترة الأخيرة قبل إعلان نتيجة الانتخابات  سوف نجد عدة مفاجآت:  أولا مفاجأة الإقبال على الانتخابات كان هناك عدد كبير يظن أن المقاطعين سيكونوا عدد كبير ولكن المفاجأة هي أن الكثير أدلوا بأصواتهم بما يقترب من 50 %

المفاجأة الثانية وهى الأهم أن الرئيس لم يأتي بأغلبية مكتسحة وهذا كان متوقعا بعد أن انتهت ظاهرة الرئيس الذي سيأتي بأغلبية مكتسحة وأي رئيس سيأتي سيكون في متناول اليد وناله قدر كبير من التجريح قبل أن يأتي إلى سدة الحكم
ومعنى فوز مرسى ب 52% فقط أن هناك انقسام ولكنه ليس انقسام ضار لان الانقسامات الضارة هي الانقسامات الطائفية والجغرافية ولكن الانقسام السياسي أمر صحي فلم نجد مناطق مقفولة على شفيق أو مناطق على مرسى

كانت هناك نسب متفاوتة أو متقاربة ولكن لم تكن هناك مناطق مغلقة على مرشح دون الأخر

تم الحديث عن صفقات بين الجيش والأخوان فما هي رؤيتك لإمكانية وجود صفقات  ؟

 هناك الكثير من الكلام حول صفقة بين الجيش والأخوان أو تدخل أمريكا في اللحظات الأخيرة وهذا كلام غير منطقي فهل ستتدخل أمريكا في اللحظات الأخيرة وقبل النتيجة بنصف ساعة  واللجنة مجتمعه بالفعل؟  علي أي حال فإنني أرى أن الأشياء التي يستحيل أن نعرفها علينا أن نتركها مؤقتا لنتعامل مع النتائج

                           كيف رأيت محاولات وضع اليد للفوز بالرئاسة من كلا المرشحان ؟

لم تقلقني ففي كل العالم يحدث ذلك لطمأنه أنصار كل مرشح من خلال المؤشرات الأولية وما تسبب في الاحتقان هو طول المدة لإعلان النتيجة الرسمية وأن كان أيضا التأخير طبيعي ففي انتخابات الرئاسة الأمريكية لبوش الأبن
 تأجلت النتيجة 38 يوما بسبب  الطعن فى نتيجة كاليفورنيا والتي تم فرزها  يدويا ...وفى مصر كان هناك 400 طعن
 
كيف فسرت أستقاله دكتور محمد مرسى من حزب الحرية والعدالة ؟

التقاليد في مصر تكرس ذلك التصرف وهى ليست التقاليد في العالم المتحضر وهو أمر غير مقنع للجمهور وغير مقنع علميا لأن الشخص الذي يكون منتميا من 30 عاما لحزب سياسي أو جماعه وذات  صباح يستقيل من الحزب دون أن يكون مختلفا معه أيديولوجيا يكون أمرا غير منطقي وغير مقنع أن يستقيل دكتور محمد مرسى من الحرية والعدالة و هو  الحزب الذي أنجحه فضلا عن آنه لا يوجد نص قانوني  يلزمه بالأستقاله ولكنه ابتكار مصري  أو لعله سمة تناسب بعض دول العالم الثالث

هل الأستقاله جاءت بهدف الطمآنه فقط ؟

فى تصوري أن هذا ليس ضروريا غير مفضلا عن أنه غير مبرر سياسيا  لكنه تصرف ذكى فى أطار المرحلة التي نمر بها ولأن تجربتنا السابقة مع الرئيس السابق الذي كان يرأس حزبا كانت تجربة سلبية مريرة  .

ولكن سيبقى الدكتور مرسى أخوانينا ويدعمه ويتواجد حوله قيادات الأخوان المسلمين ؟

قبل إعلان النتيجة  رسميا  ظهر الدكتور محمد مرسى وحوله مجموعه من الرموز الذين لم يعرف عنهم أي انتماء سياسي إسلاميومن ألقى البيان هو الصديق الإعلامي حمدي قنديل ولا أحد يستطيع أن يقول أنه من الأخوان لكن لو تأملنا المشهد جيدا في ضوء أن علم النفس السياسي يوجهنا إلى أنه علينا في تحليل الصورة أن لا ننظر إلى الحاضرين فحسب، ولكننا نبحث عن الغائبين أي من غاب عن الصورة، و سوف نجد  آنذاك أن المرشد العام لجماعة الإخوان قد غاب عن الصورة  وخاصة أن مرسى لم يكن  قد أعلن نجاحه بعد و كان من الطبيعي أن يأتي المرشد ليساند مرشحه،  و كذلك فقد غاب عن الصورة ممثلوا حزب النور؛ وقد فهمتها أنها رسالة طمأنه للشعب المصري قبل أن يأتي مرس كرئيس يحتضن التيارات الليبرالية

هل تراها طمأنه أم محاوله أدعاء لمشهد غير حقيقي يقف خلفه في الكواليس قيادات الأخوان كما ظهروا فى أول مرة فجرا فى أول يوم للفرز ؟

 صحيح أنه يوجد في التراث الإسلامي و خاصة بين الشيعة ما يعرف بالتقية وهى أنى لي أن أعلن ما هو في صالحي دون أن يكون حقيقيا بحيث يمكن أن أنكر أنني مسلم مثلا إذا كان الإفصاح يهدد حياتي، ولكن من شروط للتقية  أن أكون مهزوما مهددا ، والتيار الإسلامي حين يستولى على السلطة كما حدث في السودان وغزة كان يعلن عن هويته بوضوح لأنه وصل للسلطة ولن ينتظر شيئا وكان بمقدور الدكتور محمد مرسى أن يقول في خطابه مثلا  الله أكبر ولله الحمد معلنا عن هويته التي كانت معلنة بوضوح خلال الانتخابات، ولكن كونه لم يفعل ذلك فمعناه أنه أدرك أن مصر متنوعة فقرر أن يتناغم مع هذا التنوع وهذا ليس فيه أي خداع وعندما يعلن رئيس عن هويته أثناء الانتخابات وينجح حتى مع نسبه 52% بالمعايير الديمقراطية  لايوجد ما يخشاه ولا من يخاف منه كان بمقدوره أن يقول خطابا مختلفا يعلن فيه عن الدولة الإسلامية ويؤكد بيعته للمرشد ولكنه لعله لم يقل ذلك لأنه أدرك أن هناك تنوع و أنه لم يحصل علي أغلبية كبيرة و أن  عليه أن يسعى لكسب تأييد ومحبة من لم يرشحوه ...ورئيس مصر الحالي نالته الألسن قبل أن يصبح رئيسا ولا تزال تناله الألسن حتى الأن والرئيس الحالي أمامه طريقان إما أن  يصبح ديكتاتورا أو أن يجارى الموقف الراهن ويدرك أن إعطاء مكاسب حقيقية للناس تتعلق بمعيشتهم هو ما سيقربه من الشعب فمصر تختلف عن السودان وتركيا وغزة في أنها متنوعة ويعيش فيها الأقباط  والمسلمين معا منذ آلاف السنوات وهو تنوع جغرافي فلا يوجد محافظات مثلا للأقباط وأخرى للمسلمين فمصر عصية على التقسيم  لتنوعها الجغرافي وأول خطاب قاله مرسى لم يشكر فيه الحزب الذي انتخبه و لعل  ذلك لأنه متحسب من ارتباطه بصورة شائعة عن الإخوان المسلمين،  وعندما تحدث في خطابة عن مصر قال إنها جمهورية مدنية وطنية ولم يقل أنها جمهورية إسلامية  و حين تحدث عن معاهدة السلام وقال مصر تحترم معاهدتها وكان الكثير يتوقع أن يقول مصر تحترم كامب ديفيد طالما أحترمها الإسرائيليون أو نحن نحترمها ونطلب من إسرائيل معامله الفلسطينيين بإنسانية ولكنه لم يقل ذلك، ثم أرسل رسائل طمأنه   للمسيحيين 
 والدكتور مرسى وهو يتحدث عن حدود مصر لم يقل أن مصر جزء من العالم الإسلامي على الرغم من أن عبد الناصر كان يقول ذلك فالخطاب كان عقلانيا ولحظة تولي الحكم تكون هي لحظة الحقيقة

كيف ترى برنامج الدكتور مرسى في أول 100 يوم ؟

أراه رسالة جيدة للشارع تتعلق باحساسة بأمور الشعب الحياتية فقد اختار مشكله المرور وقال انه سيستعين بالخبراء الأجانب  ثم مشكله النظافة ومشكله الطاقة  والأمن والشهداء كلها ملفات حياتيه ليست أيدلوجية ولكنها هامة فهو موقف ذكى وأنا أرى أن قراره في عدم وضع صورة الرئيس فى المؤسسات الحكومية قرار صائب لعدم تكريس الصورة الفرعونية للرئيس باعتبار أنه لن  يكون الرئيس الدائم الذي تكون له صورة رسميه فلا توجد  صورة رسمية لأوباما ولا لساركوزى ولكن يوجد صور رسميه للملوك فكونه يتخذ هذا القرار فهو مؤشر جيد و أري أن إمكانية أن يتراجع عنها مستبعدة لأن هناك معارضة قوية( فالعين مفتوحة عليه ). هناك مكسبان  سياسيان   للثورة لن يخسرهما   المصريين  وهما أن الكل يشتغل حاليا بالسياسة حتى أن هناك أسر تتعارك وتختلف خلافا سياسيا المكسب الثاني هو كسر حاجز الخوف فلا أحد سيقول لا تتحدث عن الرئيس حتى لا تذهب وراء الشمس فقد انتهى هذا الزمن   


إلا تعتقد أنه بعد انتخاب الرئيس سيعود المصريين إلى سابق عهدهم ويفقدوا اهتمامهم بالسياسة ؟

صعب أن يتوقف المصريين عن الاهتمام بالسياسة  لأنه تم خلق تيار و من  الصعب أن يهتم الناس بالسياسة ثم يتراجعوا حتى أذا قالوا نحن ضقنا ذرعا بالسياسة فالمقاطعة هنا ستكون أيضا موقف سياسي  


ما هو  تحليلك للكتلة التصويتيه للفريق أحمد شفيق ؟

 هي كتله لا يستهان بها و أظنها من ألوان مختلفة فمنها أنصار النظام السابق ممن يخشون على مصالحهم ولكن عددهم محدود  ورجال أعمال يخشون على مصالحهم وهو شيء منطقي،  وناس ضاقوا  من تعطيل الأحوال ويريدون العمل والاستقرار،  ويوجد آخرين صوتوا تصويتا عقابيا ليس حبا في شفيق أو اقتناعا به،والتصويت العقابي ظاهرة طبيعية فأنت تختار بين فردين ترفضهم   فليس هناك  إلا أن  تختار بينهم، وأيضا الدكتور محمد مرسى أخذ أصوات عقابية نكاية في شفيق فالخريطة مرسومة بهذا الشكل

على أي أساس صوت المصريون في انتخابات الرئاسة ؟


أظن أن المصريين صوتوا على أساس سياسي لا علاقة له بالدين وكمثال شخصي أنا أعرف أسرة مسيحية صديقة بها سيدة شابه من ناشطي ميدان التحرير قاطعت الانتخابات بينما شقيقتها أعطت شفيق وشقيقتهما الثالثة أعطت مرسى
حتى فكرة الأموال وأن المصريون انتخبوا لأنه تم دفع أموال لهم هى أهانه للمصريين قبل أن تكون إهانة  للمرشح ولا  أحسب أن مرشحا يستطيع أن ينجح بالأموال فقط
وأتوقع أن المسيحيين يخافوا من الأتجاة الأسلامى لأنه تمت شيطنته حيث أن النظام السابق كان يتخذ صورة الحكم المحايد عند حرق أحد السلفيين لكنيسة  و من ثم فقد يوجد جزء كبير من المسيحيين أعطوا لشفيق كما أن هناك من المسلمين من  أعطوه أيضا لنفس السبب ونفس التخوف من الإسلاميين فقد قال لي صديق مسيحي أن الانتخابات كانت بين أثنين  مسلمين واحد أسمة أحمد والأخر محمد ولم يكن بينهم مرشح أسمة جرجس لنتهم بالطائفية.

التخوف من الأخوان المسلمين موجود بشدة فهم لم يبينوا حسن النوايا خلال الفترة الأنتقاليه ولم يجتمعوا على المصلحة العامة حتى الأن وهذا وضح في أدائهم فى البرلمان وفى رغبتهم في الاستحواذ على التأسيسية فكيف يستطيع الشعب فتح صفحة جديدة مع مرسى وتصديق أن سيجمع الشمل ؟

صحيح أن الأخوان قد وعدوا بأشياء ولم يحققوها و لكنهم كانوا يقولون لدينا مجلس الشعب ولكن ليس لدينا سلطة تنفيذية و هم حاليا معهم السلطة التنفيذية وعلى محك الاختبار، والسياسية تعرف وتعترف ان هناك   متغيرات كثيرة  ولا يوجد ضمان مائة بالمائة لاتخاذ موقف والاستمرار عليه وأنا لست قلقا من الأصوات التي ترتفع بشدة وتحذر من الأخوان المسلمين فلعل هذا يدفعهم لبذل مجهود مضاعف لكسب تأييد الشارع  فقبل الانتخابات كان الأخوان يقولوا أن نسبتهم في الشارع أكبر من الواقع ولكن حاليا الكلام سيكون على أرقام

تم التعامل مع جماعه الأخوان المسلمين على مدار 60 عاما على أنهم جماعه محظورة وخطر على الأمن القومي وهى الآن وصلت لسدة الحكم فكيف يتم تخطى حاجز هذا الخوف ؟

الأخوان كانوا مضطهدين ويجب أن نسأل أنفسنا من أضطهدهم هل الشعب أم الأنظمة السابقة؟ الشعب لم يحظر الجماعة ولكن السلطة هي من حظرتها وسلوك الجماعة السري له آليات كالتخفي وعدم الإفصاح عن الأهداف ولكن اليوم الوضع مختلف فالناس ليست هي من رفضتهم  وعلى الرئيس مرسى أن يصحح الصورة  ويؤكد أن جماعة الأخوان  تختلف عن الجماعات الإسلامية لأن هناك خلط في أذهان بعض من الناس وهو ما يثير تخوفهم
وأنا أتوقع أن تجربة النظام الإسلامي  في مصر ستكون تجربة فريدة وما يجعلها فريدة هي طبيعة مصر وليست نوايا من يحكم

هناك أيضا تخوف لدى البسطاء من فكرة نفسية السجين وان الأخوان خرجوا من البورش للعرش   فما تعليقك ؟

من دخل السجن وتعذب قد يخرج لينتقم ولكن سينتقم ممن أدخله السجن وليس من الشعب  فالشعب المصري لم يكن يهتم بالسياسة والجزء البسيط الذي كان لدية اهتمام كان أيضا يتم اعتقاله وتعذيبه دون النظر لأيدلوجيته فأنا كنت واحد ممن دخلوا المعتقل ومكثت فيةه ثلاث سنوات.  لابد من البحث عن سبب الاعتقال فهل من أعتقل كان سفاحا أو مغتصبا أم كانت لدية رؤية سياسية سجن من اجل الدفاع عنها؟  مانديلا كان من البورش للعرش ومن حقنا أن نتوجس من أداء الأخوان سياسيا ولكن هل نرضى أن يحكمنا سجان لأننا لا نرضى أن يحكمنا سجين  والأكثر سواء وصحة هو أن نتعاطف مع من يتلقى التعذيب والضرب 


البعض يرى أن الأخوان سجنوا من أجل مشروعهم الخاص بإقامة الدولة الدينية وليس من أجل الدفاع عن مطالب البسطاء وليس بهدف سياسي  ؟

وهذا صحيح فإذا كنت أريد مصر دوله شيوعية مثلا فهذا هدف سياسي...فالدفاع عن مشروع دفاع عن هدف سياسي 

ما هو الطريق الأمثل من أجل لم الشمل والمصالحة الوطنية ؟


أذا تصورنا أن لم الشمل أجماع فنحن واهمون فلا توجد دوله ديمقراطيه تعرف الإجماع  وإذا كان لم الشمل بمعنى أن نتفق جميعا على هدف واحد فهو أيضا غير صحيح ولكن لم الشمل يعنى إرساء ثقافة الحوار بحيث نختلف دون أن نتصادم ويجمعنا ميثاق واحد لنبذ العنف

ما رأيك في الإعلان الدستوري المكمل واعتصام الشباب فى ميدان التحرير  ؟وهل ترى أن الإعلان هو  تقاسم للسلطة  ؟

رأى أنه شيء مؤقت وسيظل هناك شيء أيحابى وهو ترسيخ لحق التظاهر والاعتصام  ولا أعرف يقينا من هم المعتصمين الآن: هل كلهم من  الأخوان المسلمين؟ وهنا ستكون الإشكالية. هل سيستمر الاعتصام في مواجهة من؟ وهل الاعتصام في مواجهه الرئيس أم في مواجهة المشير من أجل أن يسلم السلطة كلها للرئيس؟  وإذا كان كلاهما موافق وهناك احترام قوى بينهما، فنني أرى أن تقاسم السلطة  هو تقاسم مؤقت من  بقايا المرحلة ....

ووفقا للإعلان الدستوري فأن المجلس العسكري  هو المختص بشئون القوات المسلحة  وهذا لا ينقص من سلطات الرئيس ، فمسألة  إعلان الحرب تقتضي دون جدال أن يأخذ  الرئيس رأى الجيش، فأوباما مثلا  لا يستطيع أن يعلن حرب دون أخذ رأى ومشورة القوات المسلحة  و لعل ما يحدث هو ضغوط لاستعراض قوى، وصراعات ليست هي الموضوع ، فالموضوع هو وجود سلطة مدنية حقيقية،  و ليس المطلوب أبعاد الجيش تماما عن المشهد  فالجيش الأمريكي  على سبيل المثال غير مبعد تماما عن دوائر اتخاذ القرار.






 مجلة صباح الخير ، 3 يوليو 2012[1]