الجمعة، 9 ديسمبر 2011

الدعوة للتشاؤم لا تعني سوي الاستسلام

الدعوة للتشاؤم لا تعني سوي الاستسلام
د. قدري حفني
kadrymh@yahoo.com
انتهي عام 2007، و هل علينا عام 2008، و توالت الكتابات و تسابق الإعلاميون المصريون في قنوات التلفزيون العربية و المصرية و صحف "القطاع الخاص" و العديد من كتاب صحف "القطاع العام" فيما يكاد يكون مباراة في الندب القومي يزايد فيها كل علي الآخر في إبراز المصائب و الكوارث التي حلت بمصر تحديدا خلال العام المنصرم و كيف أن العام القادم سوف يكون أشد قتامة و سوادا، و أنه لا توجد بارقة أمل في نهاية النفق.
و قد عدت بذاكرتي إلي ما سمعنا و رأينا في بدايات الأعوام السابقة فوجدت أنه لم يختلف كثيرا و لا حتي قليلا: انتقاء الأحداث الأكثر مأساوية، و التوقعات الأشد تشاؤما، و الميل إلي إغفال أية نقاط ضوء أو إنجازات، و إذا لم يكن بد من إشارة تفرض نفسها هنا أو هناك لإنجاز ما فلا بد من إلحاقها بتأكيد أن ذلك الذي قد يبدو لبعض السذج إنجازا ليس في حقيقته سوي شرك شرير، أو تمويه محكم، أو تراجع مؤقت، و الجميع يؤكد بيقين لا يتزعزع أن الانهيار قادم لا محالة، و أن الفوضي علي الأبواب، و ليس من فائدة ترجي من أي شيء: لا أمل في إصلاح ما هو قائم، و لا إمكانية لتغييره، و لا أمل يرجى في للتجمعات السياسية القائمة سواء كانت محظورة أو قانونية أو تحت التأسيس أو حتى تحت الأرض، و لا أمل في أية قوي خارجية سواء كان مصدرها بن لادن أو جورج بوش الصغير أو الكبير. الطريق مغلق أمام الجميع دون استثناء. لا مستقبل للنضال المسلح و لا للإرهاب و لا للحلول السلمية أو التفاوض، و لا سبيل لمقاومة الفساد المستشري، و يصبح مضمون الرسالة الإعلامية في النهاية: لا أمل و لا مهرب.
و إذا ما تساءلت: تري و ماذا بعد؟ لم تخرج سوي يزفرة حارة أو تنهيدة عميقة، فإذا ما تجرأت فألمحت و لو من بعيد إلي أنه قد يحتمل –مجرد احتمال- أن يكون هناك أمل و لو بعيد حتى و إن لم يطل بنا العمر لنشهد تحقيقه، تحولت الزفرات و التنهدات إلي نظرات تتراوح بين الشك في قوي المتحدث العقلية و التشكيك في نواياه و انتماءاته السياسية؛ فإذا ما تجاوزت عن ذلك و ألححت في السؤال كانت الإجابة في النهاية قائمة من الينبغيات الموجهة للحكومة و ليس للجماهير، مع تذكيرك بأن السلطة لن تنفذ تلك الروشتة.
ليس من سبيل لدي هؤلاء لتجاوز السلبيات اعتمادا علي إنجازات حققها النضال السياسي الجماهيري تمثلت في تمكن الجماهير المصرية بالفعل من انتزاع المزيد من حقوقها في التظاهر و الاحتجاج العلني، و إقدام بعض الفئات العمالية بل و الموظفين علي ممارسة حق الإضراب بعد أن كفله قانون العمل، و استجابة السلطة - رغم عنادها التقليدي- للضغوط المدنية في مجالات كان مجرد الاقتراب منها يبدو في حكم المستحيل مثل التفاوض علنا مع المضربين و المعتصمين، و حق الأم المصرية المتزوجة من أجنبي في نقل جنسيتها المصرية لأبنائها، و إدخال تعديلات بشأن ضوابط بناء الكنائس، و احتفال الدولة علنا بعيد الميلاد المجيد، و اعتبار أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم.
خلاصة القول
لقد أصبح الأمل مجرد الأمل في نظر الكثيرين يبدو معادلا للتسليم بكل ما يحمله الواقع من سلبيات، و أصبح الإمعان في التشاؤم دليلا علي الثورية و رفض السلبيات، و نسي هؤلاء أو لعلهم تناسوا حقيقة أن ما يجمع بين عبدالناصر و لينين و حسن البنا و سعد زغلول و كمال أتاتورك و ياسر عرفات و غاندي و السادات وجيفارا و أمثالهم، أنهم أدركوا سلبيات الواقع من وجهة نظرهم، و كانوا في نفس الوقت علي يقين من إمكانية تغييره. لقد كانوا متفائلين، و لذلك فقد تمكنوا من الإسهام في تغيير دفة التاريخ بصرف النظر عن رؤيتنا لمدي صواب حركتهم.
التفاؤل كما تؤكده دراسات علم النفس السياسي، بعيد تماما عن مجرد القناعة والرضا بالواقع، إنه نظرة للمستقبل تقوم علي اليقين بأن التغيير للأفضل ممكن و سيظل ممكنا، و أن الواقع الراهن مهما بدا مظلما فثمة نقاط مضيئة علينا أن نبحث عنها و ننميها، و أن الثمن المطلوب للتغيير مهما بدا مؤلما فإنه يهون بقدر إيجابية المستقبل المستهدف.
انتشار مرض الإيدز كارثة و لكن تطور أساليب مقاومته و الوقاية منه حقيقة, زلزال آسيا كارثة إنسانية مروعة و لكن تكاتف دول العالم في جهود الإنقاذ الإنسانية حقيقة كذلك, الاحتلال الإسرائيلي و ممارساته البشعة حيال الشعب الفلسطيني مأساة و لكن استمرار الصمود و انفتاح خيارات أساليب المقاومة أمام القوي الوطنية الفلسطينية حقيقة, وجود قاعدة العيديد في قطر كمركز قيادة لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق مصيبة ولكن استمرار المقاومة بكافة أشكالها في العراق حقيقة. القيود المفروضة علي الحرية و الليبرالية في عالمنا العربي خطر حقيقي و لكن ما نشهده في مصر تحديدا من اتساع مساحة الاحتجاج المدني و تنوع أساليبه يمثل حقيقة مصرية و أملا عربيا, و المقام لا يتسع للمزيد.
إن دعوة الجمهور للتشاؤم لا تعني سوي دعوته للاستسلام. للهرب. للانتحار. للإرهاب.

جريدة البديل 8 يناير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق