الثلاثاء، 24 أبريل 2012

جدل الجنسية المصرية بين العلم و السياسة

جدل الجنسية المصرية بين العلم و السياسة
قدري حفني
لست بحال من أنصار الشيخ صلاح أبو إسماعيل، بل إنني لست ممن يستسيغون أساليبه في الدعاية الانتخابية، و فضلا عن ذلك فإن لي تحفظات عديدة علي تصريحاته و ما تشي به من رؤية تنتسب للإسلام تبدو لي متشددة. و لكني أكتب هذه السطور بصفتي العلمية و الجدل على أشده حول ضرورة أن يكون المرشح لرئاسة البلاد مصريا خالصا لم يحدث يوما أن "تلوثت" مصريته بحمله شخصيا أو والديه أو زوجته لجنسية أجنبية، و أن هذا التلوث لا يمكن التطهر منه بحال من الأحوال حتى لو تخلي هؤلاء عن جنسياتهم الأجنبية بل و حتى لو فارقوا الحياة. و يقوم ذلك التشدد "العنصري" علي ما يشبه فكرة "نقاء السلالة" و هي الفكرة التي أثبت العلم فسادها قبل أن تدفع البشرية دما غزيرا في سبيل مقاومتها في ظل النازية التي قامت علي "نقاء العنصر الآري" و ما زلنا ندفع دما في سبيل تخليص اليهودية من العنصرية الصهيونية التي تقوم علي نقاء "العنصر اليهودي". و اتساقا مع عنصرية الفكرة فإن "التجريم" يتعدي حدود مسئولية الفرد الشخصية عن تصرفاته علما بأننا إذا ما سلمنا بأن المرء مسئول عن اختياره لزوجته لحظة اختياره لها، فإن أحدا لا يختار والديه، فكيف لنا أن نحمله مسئولية قرارات اتخذها من لم يخترهم.

و قد ارتبطت تلك الفكرة العنصرية بفكرة أخري لا تقل عنها فسادا تقوم علي الدمج بين "السلطة" و "الوطن" بحيث تصبح معارضة السلطة و التمرد عليها خيانة للوطن، فإذا أفلت ذلك المواطن المغترب المتمرد من حبل المشنفة أو من قضبان السجون، قامت السلطة فضلا عن مطاردته بإصدار قرار حكومي بإسقاط الجنسية عنه و سحب جواز السفر منه متصورة أنها بذلك تحرمه من الانتماء للوطن.

و لما كان الربط بين "جواز السفر" و الانتماء للوطن يقوم علي تصور محدد للانتماء الوطني؛ و لما كان موضوع الانتماء باعتباره إحساس الفرد بأنه جزء نسيج الوطن يعتبر من الموضوعات الأساسية في علم النفس الاجتماعي و تطبيقاته السياسية، فإن استجلاء ما يقول به العلم في هذا الصدد يعد فريضة علي من يشتغلون به.

لقد اهتم المتخصصون في علم النفس الاجتماعي منذ زمن بعيد بدراسة مفاهيم الانتماء والولاء، و لم تقف دراساتهم عند حدود الاجتهادات النظرية فحسب, بل قامت علي الدراسات الميدانية الواقعية. و قد شهد مجال الدراسات النفسية منذ السبعينيات صحوة جديدة فيما يتعلق بدراسات الانتماء، سواء في بلادنا العربية، أو خارجها، و لقد شاركت شخصيا في إنجاز ما يزيد عن خمسين بحثًا ميدانيا في هدا المجال عبر تلك السنوات كباحث فردي، أو مشرف علي رسائل الماجستير والدكتوراه، أو مشرف علي فرق بحثية مصرية أو عربية أو مشتركة.

و لعل أهم ما يمكن أن نخلص إليه من بحوثنا و من تتبعنا التاريخي لما تيسر لنا من بحوث ودراسات عربية و أجنبية في مجال الانتماء، هو أن تلك البحوث قديمها وحديثها تتفق نتائجها دون استثناء علي أن الانتماء إنما هو من صنع الجماعات بقدر ما هو ضرورة لتشكيل تلك الجماعات, و أنه ليس بحال نتاجا لوراثة بيولوجية و لا نتيجة لقرار سلطوي. وتتفق تلك النتائج أيضًا في تأكيد الدور الغلاب الذي تلعبه عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية بمعناهما الواسع في تشكيل الانتماء قوة وضعفًا، و أن جماعات الانتماء إنما تمارس تأثيرها عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة من خلال آليات الاتصال بمختلف أشكالها.

و إذا كان الأمر كذلك فإن الحديث عن كون الفرد بحمل جنسية دولة بعينها، لا علاقة له البتة بانتمائه الوطني لتلك الدولة وفقا للمفهوم الذي استقرت عليه العلوم الإنسانية للانتماء. إن حكومة معينة قد تتخذ قرارا بمنح جنسية الدولة لمواطن ما فيصبح رسميا من رعاياها, أو العكس فقد تتخذ قرارا بإسقاط أو سحب الجنسية من أحد مواطنيها. و رغم أن مثل تلك القرارات تحدث آثارا عملية في التو و اللحظة مما ينعكس علي حياة الفرد اليومية و علاقاته الرسمية بالأجهزة الحكومية, إلا أنها أبدا لا تحدث أثرا فوريا بتلك السرعة علي إحساسه بالانتماء. و تؤكد نتائج البحوث العلمية الميدانية في هذا الصدد أن المغتربين أميل للانتماء المتطرف للجماعة الأصلية، بصرف النظر عن الجنسيات التي يحملونها، و أن ذلك يصدق على أبناء الشعوب جميعا؛ و أن ذلك الانتماء المتطرف للوطن قد يأخذ في الخفوت بعد عدة أجيال من الحياة في الوطن الجديد و يتوقف الأمر في النهاية علي طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تمارسها الأسرة المغتربة لأبنائها. و لا يعني تعبير الانتماء المتطرف في هذا السياق أنه انتماء للسلطة الحاكمة في الوطن الأصلي؛ بل قد يعني في كثير من الأحيان العكس تماما؛ فقد يعبر المغترب عن انتمائه لوطنه بنقد الأوضاع السائدة فيها و التي دفعته للهجرة. و من هنا يكون الخلط لدي السلطات الحاكمة إذا ما كانت ذات طابع دكتاتوري تسلطي أن تنظر إلي أولئك المغتربين الذين أفلتوا من سلطانها باعتبارهم خونة يفتقدون الانتماء للوطن باعتبار أن السلطة الحاكمة هي الوطن.

و إذا ما تركنا كلمة العلم جانبا فسوف نجد في مشاهداتنا و خبراتنا اليومية ما يؤكد ما قال به العلم. إن غالبية من يدانون بتهمة التجسس يحملون ما يثبت رسميا انتماءهم للدولة المراد التجسس عليها بل و لدين غالبيتها، و لعلنا لم ننس أن قائمة من قدموا حياتهم من أجل تحرير فلسطين تضم عددا ممن لا يحملون هوية فلسطينية و لا حتى جواز سفر عربي.

و في النهاية فإن كلمة العلم أمانة ثقيلة أدعو الله أن أكون قد وفقت في إبلاغها أو علي الأقل حاولت ذلك

kadrymh@yahoo.com



السبت، 21 أبريل 2012

حوار منشور في جريدة الدستور 21 إبريل 2012

جريدة الدستور 21 إبريل 2012
الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي لـ "الدستور"
نجاح الانتخابات الرئاسية ستعلن انتهاء عصر الزعيم القائد ليبدأ عصر الرئيس الموظف
- الانتخابات الرئاسية جعلت 85 مليون مصري ينشغل بالسياسة ويتناسى الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني.
- رئيس مصر القادم يعلم انه لن ينجح بنسبة 98% ولن يحوز رضا نصف الشعب وسيقاتل لكسب وده ليفوز بفترة ثانية.
- لأول مرة منذ سبع ألاف عام يجد شعب مصر نفسه أمام مرشحين يختار منه رئيس موظف وليس زعيما عليه.
- الحالة النفسية للشعوب العربية جعلتها تفصل الزعيم علي مقاسها وتجبر الرؤساء علي ان يتحولوا إلي ديكتاتور.
- الإسلاميون والليبراليون والعسكر يتنافسون لاجتذاب مزاج الشارع المصري.. وما حدث في الانتخابات البرلمانية لن يتكرر في الرئاسية.
- عبد الناصر والسادات صنعوا مؤيدين بـعدة مشاريع قومية لمواجهة المحتجين علي حكمهم الديكتاتوري.. ومبارك فشل في خلق انجازات تجذب حوله أنصار يحموه من الثورة.
- البعض يستخدم مؤامرة تقسيم مصر كفزاعة لإرهاب الشعب.. والتاريخ يؤكد ان ارض النيل لن تتحول إلي أمصار.
- حذف فترة حكم مبارك من كتب التاريخ عاده فرعونية ارتكبها الرئيس المخلوع في حق سعد الدين الشاذلي.
حوار- محمد عبد السلام
أكد الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي ان نجاح الانتخابات الرئاسية واختيار أول رئيس مصري بانتخابات حقيقية ستكون البداية الحقيقية لانتهاء عصر الزعيم القائد ليبدأ عصر الرئيس الموظف، موضحا ان رئيس مصر القادم يعلم جيدا انه لن ينجح بنسبة 98% كما انه لن يحوز رضا نصف الشعب لذلك سيقاتل لكسب ود المصريين ليفوز بفترة رئاسية ثانية.
وأوضح حفني في حواره لـ "الدستور" الانتخابات الرئاسية جعلت 85 مليون مصري ينشغل بالسياسة ويتناسى الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني التي يعاني منها بشكل شبه يومي، مبينا ان هذا الانشغال يأتي في الوقت الذي يعلم فيه انه لأول مرة منذ سبع ألاف عام يجد نفسه أمام مرشحين يختار منه رئيس موظف وليس زعيما عليه.
** في البداية.. الجميع يتحدث عن الانتخابات الرئاسية في ظل وجود عدد كبير من المرشحين يروا أنها متعددة، رغم ان البعض يتحدث عن أنها غير ذلك، فهل تعتقد أننا نشهد انتخابات حقيقية لاختيار رئيس للجمهورية أم أنها مجرد مسرحية سياسية؟
اعتقد أننا نشهد بالفعل أول انتخابات رئاسية متعددة تحدث منذ 7 ألاف عام، واعتقد أيضا ان هذا الأمر لا يجوز الهزل فيه، فالانتخابات فيها أكثر من مرشح، وكل المرشحين كما يحدث في بلاد العالم يناورون ويطرحون رؤيتهم وهناك بالفعل منافسه.
** الكل يري انه في 2005 كان هناك مرشحين ولكنهم قالوا عنها أنها مجرد تمثيلية من النظام للخروج بمظهر ديمقراطي؟
الفارق واضح هنا لسببين، الأول شخصيات المرشحين والثاني الجمهور نفسه، فالشارع المصري ألان غير الشارع المصري قبل 25 يناير، فالبعض يقول انه سلبي والبعض يري انه ايجابي، ولكن الأكيد ان ثورة يناير نتج عنها أمرين، الأول زيادة حجم المشتغلين بالسياسة في الشارع حتى ان 85 مليون مصري أصبح مهموما بالقضايا السياسية وتناسي الأزمة الاقتصادية الطاحنة والانفلات الأمني في الشارع، والأمر الثاني انكسار حاجز الخوف، وهذين النتيجتين بصرف النظر عن من سيحكم مصر وبصرف النظر عن ما سيحدث فإنهما نتيجتان التراجع عنهما سيحتاج إلي وقت ومجهود وتكاليف ضخمة، وهذا لا يمكن تجاوزه، وفي عام 2005 كان اغلب المرشحين يعلمون أنهم ليسوا في منافسة حقيقية، فمنهم من رشح نفسه لمجرد تسجيل موقف وتسجيل سلبية النظام او لتجميل وجه النظام وكان جمهور المصريين منصرف عن اللعبة كلها.
** وتعتقد ان هذا ليس موجود ألان؟
لان هناك بالفعل مرشحون يريدون ان يصبحوا رؤساء للجمهورية الجديدة، والشارع كله أصبح منشغل بالسياسة ويدرس الأفضل في طفرة لم يشهدها الشارع المصري منذ سبع ألاف سنه، فالجميع كان يعلم ان الفائز الوحيد هو حسني مبارك وليس من قدم نفسه ليرضي بدور الكومبارس في الانتخابات الرئاسية، أما ألان لا يستطيع إي مصري ان يتوقع من سيصبح رئيس مصر القادم، وهذا ما يحدث في جميع دول العالم الديمقراطي لا مجال للتوقعات إلا بعد الانتهاء من فرز الأصوات.
** علي الساحة العديد من الأفكار التي قسمت مرشحي الرئاسة إلي ثلاث فئات ما بين إسلاميين وليبراليين وعسكريين، الإسلاميين نجحوا في المرحلة الأولي وحصلوا علي أغلبية مجلسي الشعب والشورى، فأي الأفكار تري أنها أفضل لإدارة مصر في المرحلة المقبلة؟
دعنا نتفق في البداية علي ان الشارع المصري وجد نفسه لأول مرة في تاريخه منذ العصر الفرعوني في مواجهة انتخابات رئاسية، فقد كان الليبراليين والإسلاميين وحثي العسكر يقرؤون هذا التاريخ، ورغم ان العسكر ليسوا فئة فكرية ولكنها فئة مهنية دخلت هي الاخري لتفرض نوع من الفكر، وكل فئة كانت تقرأ الشارع من وجهة نظرها، فالليبراليون يرون ان المزاج المصري مزاج ليبرالي وان التدين المصري تدين ليبرالي، والإسلاميون يقرؤون الشارع علي ان هواه إسلامي، والعسكريون قرؤوه بطريقتهم الخاصة، ولكن فاتهم ان الشارع تكلم لأول مرة في حياته.
** تقصد عندما اختار برلمانه؟
هذا صحيح.. وفي اختياره أفصح عن هويته الإسلامية، رضي من رضي وأبي من أبي.
** معني هذا ان توجهات الشارع وهويته ستكون منعطفا في اختيار شكل الحكم في الفترة القادمة؟
هذه هي القراءة الأولي للشارع المصري في الانتخابات البرلمانية، ولكن هل سيتكرر هذا في الانتخابات الرئاسية، فهذه هي التجربة الأولي في التاريخ المصري، فلم يحدث ان اختار الشارع المصري رئيسة من قبل، قد يغضب الشعب من رئيسة او لا يرضي عنه او يعجب به او يستاء منه ولكنه لم يختار رئيسا من قبل، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية علي سبيل المثال يمكننا ان نتنبأ بالرئيس القادم من خلال استقراء التاريخ بالنسبة للصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والفرص المتاحة لفوز إي منهم، بعكس مصر لا يوجد تاريخ رئاسي يجعلنا نتنبأ بمن سيفوز بالانتخابات، ولا يوجد راصد يستطيع ان يتنبأ بتحولات المزاج المصري ومن سيختاره فالكلمة عادت للشارع.
** قراءتنا للتاريخ تقول انه طوال السبعة ألاف سنه الماضية احتكر الحكم في مصر العسكريون؟!
ماذا تقصد بالعسكريين... فعندما نقول عبر التاريخ علينا ان ننظر أولا للحكام، فالحاكم الديكتاتور ليس بالضرورة رجلا عسكريا، وما دمنا نتحدث عن الحاكم المفروض بعيدا عن الانتخابات فنحن لا نتحدث عن اختيار المصريين، فهل حينما يختار المصريون سيختارون شخصا عسكريا؟، لا احد يعلم لان المصريون لم يفصحوا بعد عن هواهم، وان كانوا قد أفصحوا عن الهوي الإسلامي في مجلسي الشعب والشورى، فهذا لا يعني ان هذا سيتكرر في الانتخابات الرئاسية.
** ولكن الهوى الإسلامي أصبح يغلف جميع دول الربيع العربي؟
هذا صحيح.. وملفت للنظر، لأنه يعني ان الشارع العربي هواه إسلامي، حتى وان كان هناك بعض الاختلافات في الرؤى او الطبيعة الإسلامية ولكنها في النهاية هوي إسلامي، وحين نقول ان الشارع المصري اختار المسلمين لأنهم حصلوا علي حوافز مادية مثل الزيت والسكر والأرز، ورغم ان هذا ليس عيبا، لكن السؤال هنا، وماذا عن اختيارات أهل الكويت الذين اختاروا مجلسا إسلاميا يخلو من إي امرأة ويطالب بتطبيق الشريعة، فمن الذين يقدم لهم الأزر والسكر والزيت، علينا ان نواجه الحقيقة سواء نرضاها او نعترض عليها، لأنه حتى محاولة تعديل الواقع تبدأ بان نفهمه جيدا، بدلا من ان نردد ان الانتخابات كانت نزيهة ولكنها آتت بمجلس لا يمثل الشعب، لأنه سيكون حديثا متناقضا، والبعض أصبح يقول ان الشعب اختاره لأنه تم تضليله او لأنه أمي لا يقرأ او لأنه رضي ان يبيع صوته، فبعض السياسيين يرتكبون أخطاء تفتح الطريق لاختيار ديكتاتور عادل يتولي إعادة بناء الشعب المصري من جديد، رغم ان خبرة الديكتاتور خبرة فاشلة في نهضة الشعوب.
** البعض يقول ان اختيار مجلس الشعب للإسلاميين نابع من عدم جاهزية القوي السياسية الاخري....؟
مقاطعا... من قال ان الشعب اختارهم لأنهم أكثر جاهزية من الآخرين، هو فقط اختار لأنه يفهم وواعي والدليل انه لم يختار الأحزاب الأقدم والأكثر شهرة، ومن قال ان اللبراليين فكر جديد علي الساحة السياسية او ان حزب الوفد ليس لدية الخبرة او انه أقدم من الإخوان المسلمين او انه لم يكن جاهزا، ان القول بان الأحزاب الليبرالية لم تكن جاهزة او لديها الخبرة أمام الأحزاب الإسلامية قول مردود علية، لان الاتجاه الليبرالي أقدم، فالحزب الشيوعي ظهر في 1924 والإخوان المسلمون ظهروا في 1928 وحزب الوفد سبقهما جميعا.
** قلت ان الديكتاتور المدني اشد قسوة من الديكتاتور العسكري، والكثير في مصر يقول ان مصر في تلك المرحلة تحتاج إلي قائد او زعيم او رجل عسكري، إلا تري ان فكرة البحث عن زعيم لا زالت تسيطر علي ثقافتنا التي ترفض فكرة الرئيس الموظف؟
أولا عندما نتناول مسالة الرئيس العسكري التي اختلف معها كليا، علينا ان نحدد أولا هل كان الرئيس من أصول عسكرية آم انه يحكم مصر وهو لا يزال عسكريا، فمجلس قيادة الثورة حكم مصر فترة صغيرة وبعد ذلك تغير الحال وتركوا الجيش وأصبحوا مدنيين، ولكن لهم أصول عسكرية، واستمر الجيش قوة لا يمكن إغفالها فعندما نقول ان الشارع يحتاج إلي زعيم معني هذا أننا لا زلنا اسري فكرة ان يأتي زعيما ثم نختاره، علينا ان نؤمن ان من سنختاره سيكون زعيما لمصر، وجميع المشرحون ليسوا زعماء لمصر ولكن بعد نجاح احدهم سيصبح زعيما، وفكره الزعيم الموظف موجودة في العالم كله، ولكنه موظفا عند الشعب وعلي الشعب ان يختاره، ويعلم انه لن يصبح زعيما نصف إله مرة ثانية.
** ولماذا؟
لأنه بمنتهي البساطة رئيس مصر القادم يعلم انه لن ينجح بنسبة 98% مثلما كان يحدث، ومن المحتمل ان يفوز بعد جولة إعادة مع مرشح او مرشحين، وهذا معناه انه لن يحصل علي أكثر من 55%، ولن تبرح خيالة ان المصريين لم يختاروه من أول جولة، وسيعلم جيدا ان حوالي نصف الشعب يحمل ضده اعتراضات، وان الرئيس للمرة الأولي سيكون مثل إي رئيس في العالم، رئيس ملفاته مفتوحة أمام أنصاره، وأعدائه اطلعوا علي عيوبه وسيوجهون له الاتهامات وأنصاره سيدافعون عنه، وعلية ان يفند جميع القرارات التي سيتخذها، إي ان الانتخابات الرئاسية القادمة ستعلن عن نهاية فكر الزعيم القائد إلي الأبد ليبدأ عصر الرئيس الموظف عند الشعب.
** من قام بالثورة هم الشباب ولكنهم يرون ان جميع المرشحين لا ينتمون لفكرهم فكل المرشحون تخطوا سن السبعين...؟
مقاطعا... عندما نتحدث عن فئة الشباب لا نستطيع ان نستبعد منهم قوات الأمن سواء شرطية او عسكرية او أبناء النظام السابق، واعتقد انك تقصد الشباب الذين تبنوا فكرة التغيير السياسي، ولكن هل كانوا شبابا فقط، فهل كان الدكتور البرادعي احد المبشرين بالثورة شابا، وهل عبد الجليل مصطفي شابا، ففكرة الشباب مضللة، لأنه عندما نقول ان من خرجوا في المظاهرات شباب لا يعني أنهم هم فقط من تبني فكرة التغيير ولمن شجعها فئات أخري ليست شابه، فثورة يوليو قامت علي أكتاف شباب الجيش، والجيل عادة تسلم الجيل الذي يأتي بعدة الراية، فمرحلة الشباب مرحلة متحركة والفكر الثوري يضم شباب وشيوخ.
** اقصد ان حلم التغيير الذي ينادي به الشباب يطالب بتعديل هيكلة المناصب القيادية، ففي الدول الغربية نري رئيس الوزراء في العقد الرابع من عمرة بينما في مصر يصبح الرئيس في العقد السابع، هناك دائما ثلاثة عقود فرق في المناصب وكأننا لا زلنا نبحث عن شيخ للقبيلة، فهل تعتقد ان رأس الحكمة في كبر السن؟
نحن لم نختر رئيسا من قبل حتى نقول هذا، وإذا كان رئيس وزراء النرويج لدية 41 عاما فالشعب النرويجي هو الذي اختاره لأنه الأصلح وليس لأنه شاب، وإذا اختار المصريين رئيسا شابا سيكون رئيس، ونحن نحلم بالرئيس الشاب وان كان البعض يري ان الرئيس الشيخ سيتسم بالحكمة، ولكن الحكم في النهاية سيكون لصندوق الانتخابات، وعليك ان تعلم أيضا أنها التجربة الأولي.
** هل تعتقد ان تلك التجربة الأولي تحتمل النجاح او الفشل؟
في الديمقراطية عليك ان تعلم ان هناك دائما اختيار خاطئ، ولكنه اختيار لمدة أربع سنوات فقط، وبعدها عليك ان تعيد حساباتك، وإذا كان الاختيار سليما وأصبح الرئيس الذي اخترته جيدا سيحصل علي فترة رئاسية ثانية وبعدها سيرحل إلي الأبد، هذا هو النظام الديمقراطي.
** من وجهة نظرك الفلسفية ما هي الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق وجعلته رغم قوته لا يصمد 18 يوما؟
الحقيقة ان النظام السابق ارتكب أخطاء كثيرة ولكن أهمها انه تجاهل قوة الشعب، وتعامل معهم بمبدأ الإدارة بالغموض السياسي، فلا احد يعلم إي شيء عن الدولة تحت دعوي الأمن القومي، فلم تكن هناك معلومة واحدة متاحة علي الإطلاق، فمن يحتكر الحديد والصلب ومن السبب في دخول المبيدات المسرطنة، هذا الجو الغامض الذي تجاهل قوة الشارع دفع المصريين للغضب والثورة، واعتقد ان اخطر ما يواجه الفترة الانتقالية هي ان الجميع يفعل مثلما كان يفعل النظام السابق يتعامل مع المصريين بغموض كاذب، فالأسئلة كثيرة ولا احد يجيب عنها.
** وهذا ما يحدث علي الساحة ألان؟
واكبر مثال علية قضية الأمريكان وتمويل المنظمات الأجنبية التي قالوا عنها أنها مشبوهة، ولكن هل يمكن ان يستمر بعد اختيار الرئيس وتستقر الأحوال، اشك في ذلك لان الرئيس القادم إذا واجه إي اتهامات يعلم انه إذا تجاهل الشعب الذي اختاره ولم يجيب عنها لن يختاروه لولاية ثانية، لذلك سيقاتل من اجل رضي الشعب.
** كان هناك من يقول ان الشعب المصري لا يثور أبدا، والآن أصبحوا يتساءلون لما تأخر المصريون في الثورة؟ ولماذا لم ثوروا في عهد عبد الناصر او السادات؟ فهل هناك نقطة لانطلاق الثورة؟ أم ان عهد من سبق مبارك كان يتميز بفكر جعلهم بمنآي عن الثورة؟
الجميع يعلم جيدا ان السجون والمعتقلات لم تغلق ولم تخلوا من المساجين في عهدي نظامي عبد الناصر والسادات، والشعب المصري لم يكف عن الثورة طوال الستة عقود الماضية، ولكن هناك دائما ما يسمي بالميزة النسبية، وهي حجم المحتجين أنفسهم، ففي عهد عبد الناصر والسادات كان هناك محتجين ولكن حجهم في مقابل حجم أنصار الرئيسين كان اقل بكثير، فقد نجح عبد الناصر والسادات في جذب المؤيدين بعدة مشاريع قومية ضخمة، فالأول قام بعمل الإصلاح الزراعي وتجديد الإيجارات جمعت حوله فئات عريضة من الشعب رغم ديكتاتوريته، والثاني قام بتطبيق فكر الانفتاح الاقتصادي وكون مناصرين استفادوا من هذا الفكر الاقتصادي الجديد، بعكس مبارك لم يستطيع ان يجذب مؤيدين له وازدادت في عهده الهوة بين الأكثر غني والأكثر فقرا وازدادت البطالة وهذه سببت ضغوط أدت إلي انه حينما تنفجر الثورة تجد من يساندها، والطبيعة الثورية والثوار في إي مكان أقلية، ومن يدعمهم ويجعلهم ينجحون هم الجماهير التي تعاني.
** هذه الفئات الثورة حاولت ان تخرج كثيرا في السنوات الماضية ولكنها كانت تفشل؟
لم تفشل ولكنها كانت تنتهي سريعا، وهذا ما حدث في أحداث المحلة ألكبري، وحثي عندما ظهرت حركتي 6 ابريل وكفاية، قاموا بعمل الكثير من المظاهرات المحدودة، ولم يقصدوا أبدا ان تكون محدودة ولكن الجماهير لم تساندها لذلك لم تصبح ثورة، ولكنها في 25 يناير قررت الفئات الأكثر طحنا في مصر ان تساند هذه المظاهرة فتحولت إلي ثورة عارمة أسقطت النظام في 18 يوما.
** التاريخ دائما يؤكد علي انه لا يوجد زعيم او قائد او حتى رئيس مصري ترك كرسيه بكرامة، ولكنه ظل متمسك به حتى تركة مجبرا، إما مقتولا مثل السادات او مسموما مثل عبد الناصر؟
لا نستطيع في ظل الجدل حول طبيعة وفاة عبد الناصر ان نقول انه ترك كرسيه مهانا، وجنازته خير شاهد علي ذلك عندما خرج المصريين جميعا في وداعة، وحثي السادات لا اعتقد ان موته بهذا الشكل فيه إهانة بل صنع منه بطلا للحرب والسلام، الوحيد الذي تمت إهانته هو حسني مبارك ليكون الرئيس المصري الوحيد الذي أجبر علي ترك الكرسي دون ان يقتل ويقدم للمحاكمة أيضا، أما ما قبل ذلك فلم نري رئيسا يسلم الكرسي لرئيس أخر لأنه لم يكن هناك انتخابات رئاسية.
** ما حدث في مصر ليس بعيدا عن ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن، والبعض يتحدث عن مؤامرة غربية لتقسيم المنطقة العربية، وان كنت أري ان هناك بلاد لا يمكن تقسيمها إلا إذا كانت تحمل في طياتها صفات تقسيمها مثل العراق وسوريا، فهل تعتقد ان مصر ارض خصبة قابلة للتقسيم إلي دويلات؟
لا احد يستبعد ان هناك من يسعي لتقسيم مصر، او من يري ان أهدافه لن تتحقق إلا إذا تشققت مصر، ولكن السؤال الأهم هل المصريون قابلون للتقسيم، هذه أول مرة في تاريخ مصر منذ سبع ألاف سنه نتحدث عن فكرة التقسيم، لان التقسيم في العالم كله رغم انه شيء سلبي لا يحدث إلا بإرادة أهل البلد، ويمكن للدول ان تهزم رغم إرادتها ويمكن ان يتم تهجيرها رغم إرادة شعبها، ولكن لا يمكن تقسيمها رغم إرادة شعبها، وإذا حدث سيكون تقسيما هشا مثلما حدث في ألمانيا وسور برلين، وهم يستخدمون مسالة التقسيم في مصر كفزاعة فقط، هم يقولون ان مصر ستتحول إلي أمصار للنوبيين والامازيغ والبدو والأقباط رغم ان مصر لم تكن في يوم من الأيام أكثر من دولة هي مصر واحدة.
** كل ديكتاتور يختلف عن الديكتاتور في البلد الأخرى تبعا لطبيعة البلد وطبيعة شعبة، فإذا كان مبارك ديكتاتورا وفعل الكثير في حق الشعب المصري إلا انه لم يرتكب ما ارتكبه نظام الأسد في حق الشعب السوري، او ألقذافي في حق الشعب الليبي، فهل تعتقد ان طريقة الدولة وثقافتها يمكن ان تختار الديكتاتور الذي تحكمه وتختار سلوكه؟
الديكتاتور هو الديكتاتور في إي بيئة في العالم، فهذا يقتل بالآلاف وهذا يقتل بدون دماء وهذا يقتل بأي شكل أخر، وهناك من يقمع بعنف وهناك من يقمع بالقوة الناعمة، ولكن دعنا نتفق ان الديكتاتور هو شخص يغتصب إرادة الشعب ويحكمه بالقوة، بأي شكل ووسيلة ممكنه، وهذا يؤكد ان الحالة النفسية للشعوب يمكنها ان تفصل ديكتاتور علي مقاسها، فهناك شعوب تجبر الرؤساء علي ان يكون ديكتاتور طيب او ديكتاتور عنيف او شرس، وفي النهاية يقف الشعب ضد هذا الديكتاتور.
** قلت ان الشارع المصري اثبت ان هواه إسلامي، والنظام السابق كان لدية هوس من كل ما هو إسلامي، وكان يخوف الشارع منهم، ولكنهم بعد ان اعتلوا منصة الحكم البرلماني اثبتوا دائما ما كان يحذر منه النظام السابق؟
أولا فكرة التخويف من التيار الإسلامي قام في السابق علي انتقاء صور بشعة لهذا التيار، وغالبا تكون صورة حقيقية، والإسلام عبارة عن كتاب سماوي مقدس ولكن تختلف طريقة البشر في قراءته، وبالتالي يوجد الإسلام بين مسلمين بينهم جماعات متطرفة وتوجد جماعات ليبرالية، ولكننا في النهاية لا نستطيع ان نضع الظاهري مع الغنوشي، فلا يمكن ان نضع كل من يقول انه مسلم في سلة واحدة، فإذا كنت أريد ان أهاجم الإسلاميين سأختار الظواهري للحديث عنه، او اختار المتطرفين في الصومال، ويقولون ان هذا هو الإسلام السياسي، وحثي عندما يختارون من التاريخ ينتقوا ممارسات بشعة ارتكبها مسلمون ويقولون "لقد ذبحوا الجعد بن درهم يوم العيد" ولكنهم لا يقولون ان أول خليفة من خلفاء المسلمين بعد انتخابه بيوم قال "يا أيها الناس إذا وجدتموني علي حق فأعينوني وإذا وجدتموني علي باطل فقوموني" والناس لم تهتف له عاش الرئيس الديمقراطي.
** الإسلام السياسي دائما ما يوصف بأنه نظام عنيف، وهناك للأسف بعض الرموز مثلما نري تحت قبة البرلمان أساءت التصرف، وجعلت الناس تخشي من الإسلام السياسي؟
يجب ان تعلم ان هناك مسلمون مختلفة وهذه سنه الله في خلقة، فلا نستطيع ان نقول ان المسلمين نمط واحد بمعني ان الرئيس المسلم الذي يتبني العنف لا نستطيع إخراجه من الإسلام، فقد اجتهد اجتهادا لا نرضي عنه، وفي مجلس الشعب قال بعض ممن يرعي الإسلام السياسي ما لا يرضاه الشارع المصري، وتم الرد علية من تيار إسلامي أخر، فمجلس الشعب مليء بالتيارات الإسلامية المختلفة، وما يهمني هنا هو المرجعية لأنهم جاءوا بانتخابات شارك فيها الكثير من المصريين.
** لا تنسي ان الشارع المصري أصبح يفصل بين الإخوان المسلمين كفئة دينية لديها خبرة طويلة في العمل السياسي وبين السلفيين الذي ظهروا فجأة علي الساحة وأصبحوا يمثلوا الإسلام السياسي، ونسوا بشكل نهائي الشعار السياسي للإخوان المسلمين؟
ومن الذي نسي.. ولماذا لا يحترمون اختيار المصريين، فالمصريين لم يكونوا مغيبين أثناء الانتخابات الرئاسية ويعلمون كل شخص دخل البرلمان، وعلينا ان نحترم اختيارهم حتى إذا كنا نختلف معهم، فليس من حقنا ان نفرض وصايتنا علي الشعب المصري ليختار بشكل سليم، ولكن من حقنا جميعا ان لا نعطي أصواتنا لمن لا يستحق.
** بعد إي ثورة تحدث حالة من اللغط السياسي في الشارع، وكما قلت ان المصريين أصبحوا يتحدثون في السياسة، وهذا شيء ايجابي، ولكن هل تعتقد ان شغلنا بالسياسة يمكنه ان ينهض بالبلد؟
الجدل السياسي قائم في العالم كله، وخصوصا وأنت تؤسس دولة جديدة، ومن حق المصريين كلهم ان يناقشوا دولتهم الجديدة، علي ان لا يصل إلي حد الاختلاف حول مستقبل هذه الدولة.
** وهذا لن يحدث انشقاق في المجتمع؟
طالما اتفقنا علي انه في إطار ديمقراطي فهو شقاق صحي، فالاختلاف يحدث في إطار الاتفاق حول المرجعية إلي الأغلبية.
** هل مشكلات مصر سياسية أم اجتماعية؟
لا نستطيع أن نفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي لكن حل المشاكل الاجتماعية والسياسية يحتاج إلي إرادة سياسية وهذه الإرادة السياسية ينبغي أن تكون إرادة الشعب، والشعب لم يقل كلمته بعد ولكي يقول الشعب كلمته لينا انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية أولا.
** كمتخصص في شئون علم النفس السياسي، كيف تري الحساب الختامي لعصر مبارك؟
ضاحكا.. لست في حاجة إلي متخصص في علم النفس... فانا أري انه لن يستطيع أحد أن يقيم فترة حكم مبارك إلا بعد أن تمر فترة طويلة، هكذا علمنا التاريخ ولا يستطيع أحد أن ينكر أن عصره كان يخلو من الإنجازات سواء علي مستوي البنية التحتية أو علي المستوي السياسي بحيث لا يستطيع أحد أن ينكر أنه في عصر مبارك وجزء من عصر السادات أن مصر كانت تزهو علي العالم العربي بارتفاع سقف المعارضة ولا أحد ينكر ذلك وهذا لم يكن تفضلاً من مبارك ولكن كان استجابة إلي الضغوط الشعبية إلي جانب هذه الانجازات هناك الخطيئة ألكبري وهي الحكم الديكتاتوري والاعتماد علي أجهزة الأمن والفساد السياسي.
** بعد ان تم حذف اسم مبارك من جميع المنشآت هناك من يطالب بحذف فترة حكم مبارك من المناهج الدراسية.. ما رأيك؟
هذه طبيعة فرعونية للأسف، وأنا أرفض ذلك علي الإطلاق لأنه إذا كان مبارك قد حذف اسم الفريق الشاذلي من انجازات حرب أكتوبر، ونأخذ علي ثورة يوليو أنها حذفت الملك فاروق وحذفت صورته وانجازاته، فلا ينبغي أن نصنع نفس الشيء الآن لأن مبارك كان مسئولاً عن سلاح الطيران وأدي المهمة الموكلة إليه.

الأربعاء، 4 أبريل 2012

حول الدستور و مبادئ الشريعة الإسلامية

حول الدستور و مبادئ الشريعة الإسلامية
د. قدري حفني
Kadrymha2000@yahoo.com
في مقال بالأهرام عرضت للجدل الذي كان دائرا حول الدستور حيث طرح كل فريق من المتحاورين حول تلك المواد مجموعة من النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية و الأحداث التاريخية التي يراها مدعمة لوجهة نظره. استشهد فريق المدافعين عن بقاء المادة الثانية بما لا حصر له من أسانيد إسلامية يرون من خلالها أن القيم الإسلامية تتجاوز قيم المواطنة و الديمقراطية حيث يقرر الإسلام ألا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوى, و يحذر من ظلم العباد, و يوصي المسلمين بأهل الذمة و يجعل لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم, فضلا عن العديد من وقائع التاريخ الإسلامي التي تبرز قيم السماحة و المساواة و العدل, بل و المرونة أيضا حتى في تطبيق الحدود رغم أنها أحكام شرعية قطعية الثبوت و الدلالة.
و في المقابل يلتقط أصحاب وجهة النظر الأخرى من النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية و الأحداث التاريخية ما يرونه مدعما لوجهة نظرهم التي تبدو معها الشريعة الإسلامية متعارضة تماما مع مبادئ المواطنة و الديمقراطية داعية إلي احتقار أصحاب الديانات الأخرى و التضييق عليهم و عدم موالاتهم بل و قتالهم, و يستشهدون للتدليل علي ذلك بالعديد من التأويلات بل و الممارسات التاريخية التي تدمغ حكاما مسلمين بارتكاب المذابح ضد من يخالفونهم حتى لو كانوا من المسلمين, و يستشهدون فضلا عن ذلك بنماذج من أنظمة و تيارات سياسية إسلامية في باكستان و أفغانستان و إيران و السعودية و السودان.
و يدور ذلك الحوار في مناخ يسوده التشكك المتبادل في النوايا المضمرة لكل فريق بحيث يصبح التمسك بالمادة الثانية كما لو كان دعوة لقهر الآخر و التسلط عليه, و في المقابل تصبح الدعوة للمواطنة و الديمقراطية دعوة مستوردة هدفها القضاء علي الإسلام. و في ظل مثل ذلك المناخ يمكن أن يستمر الجدال إلي ما لا نهاية و يستمر معه التخوف و التوجس بل و التربص من الجانبين و يستمر كل فريق في اقتناص الحجج و الوقائع و النصوص التي تدعم وجهة نظره.
حين أعدت النظر في تلك المحاورات التي تابعتها أو شاركت فيها تبين لي أن أحدا من الفريقين لم ينكر علي الآخر صحة الوقائع أو النصوص التي استند إليها, و كان جوهر الخلاف يتمثل في اتهام كل فريق للآخر بالتعسف في التأويل و الانتقائية في الاختيار ثم تعميم الاستثناء ليبدو كأنه القاعدة.
و استعدت خلال متابعتي لتلك المناقشات فكرة مستقرة في علم النفس السياسي تقوم علي أن الحوار لكي يكون مثمرا ينبغي التخلي عن استقراء النوايا, و الاتفاق بداية علي تحديد دقيق لمعاني المصطلحات, إلا إذا ما اتفق المتحاورون علي إقرار مصطلح غامض قابل للتأويل و هو ما قد يحدث أحيانا في المفاوضات لأسباب لسنا في مجال تفصيلها.
إن رؤية العديد من شيوخنا الأفاضل في مصر و رموز التيار الإسلامي لجوهر الإسلام الحق و لمبادئ الشريعة الإسلامية لا تتعارض مطلقا مع المواطنة و الديمقراطية, و لكن تلك الرؤية تختلف اختلافا بينا عن رؤية العديد من الإسلاميين القدامى و المحدثين و التي لا يستطيع أحد إنكار انبثاقها من التراث الإسلامي و تأثيرها في الفكر الإسلامي المعاصر, و التي تري أن لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم, و أنه لا ينبغي للمسلمين الالتزام برابطة الشعوب, و أنه ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتساوي فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية, و أن الاستعمار كان وراء إذكاء النعرة الوطنية و الحث علي الموت في سبيل الوطن, و أنه قد تم نسخ آيات الصفح, و التسامح, و المسالمة, و المجادلة بالتي هي أحسن, و عدم الإكراه في الدين, و حق الاختيار, والتولي والإعراض عن الآخرين الذين يسمون كفارا أو أهل كتاب مشركين؛ و من ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوي قتال غير المسلمين.
من هنا ينبع القلق و هو قلق مبرر تماما علي الجانبين: ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبني تلك الرؤية الإقصائية لمبادئ الشريعة الإسلامية, أو علي الجانب الآخر ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبني رؤية للمواطنة تعني فصل الدين تماما عن الحياة اليومية للبشر؟
إن مصطلحات الديمقراطية و المواطنة و الدولة المدنية مفاهيم حديثة ، نشأت في الغرب ثم انتشرت كإنجاز بشري ليأخذ به من شاء من البشر، و تقوم تلك المفاهيم علي تساوي أبناء الجماعة في التصويت لاختيار قائدهم دون تمييز بين سادة و عبيد، أو بين رجال و نساء، أو أغنياء و فقراء؛ و أن ذلك القائد المنتخب يتولي قيادة الجماعة لفترة محدودة يعود بعدها الأمر للجماعة من جديد.
و قد عرفنا عبر تاريخنا القديم من عصور الفراعنة عبورا بالفتح العربي فالفتح العثماني حتي نهاية الخلافة العثمانية أنواعا عديدة من تداول السلطة: عرفنا التوريث، و عرفنا انتقال السلطة للأقدر علي الاستيلاء عليها بالقوة، و عرفنا أيضا بيعة النخبة أو ذوي الحل و العقد، و عرفنا تفويض الحاكم لمجموعة يراها الأصلح لاختيار القائد القادم من بينهم؛ و لكنا لم نعرف قط حاكما تم اختياره لمدة محدودة و عليه أن يترك الحكم بعد انقضاء تلك المدة سواء كان صالحا أو فاسدا، و لم نعرف قط حاكما تم اختياره من خلال تصويت المواطنين جميعا دون تمييز بين مسلم و غير مسلم أو بين عبد و حر.
و لم يكن ذلك لنقص في معرفتنا أو لعجز في قدراتنا بل كنا في ذلك جزءا من العالم الذي حولنا: عالم الفراعنة و الأباطرة و السلاطين و الملوك و الخلفاء و القياصرة و غيرهم من الحكام الذين يمثلون ظل الله علي الأرض. و مع نشأة "الدولة الغربية الحديثة" انبثقت من رحمها المواطنة فكرا و ممارسة، و مع تطور مجتمعاتنا التقطنا فكرة الدولة المدنية بمفهومها الذي يتعارض مع خبراتنا الفكرية عبر تاريخنا الممتد، فأثارت ما يثيره كل جديد من صراع فكري و سياسي بين سلطة قائمة و سلطة قادمة؛ و لعل آثار هذا الصراع القديم تبدو جلية حتى يومنا هذا رغم ما هو شائع من أننا قد حسمنا أمرنا لصالح المواطنة؛ فنحن ما زلنا نقدم خطوة و نؤخر أخري: يشدنا أحيانا بريق قيم المواطنة فنندفع نحوها، و يشدنا أحيانا حلم استعادة عصر الخلافة فنوشك أن نولي ظهورنا للمواطنة بل و للانتماء للدولة بحيث يصبح الانتماء الديني بديلا للانتماء الوطني؛ و في ظل هذا الشد و الجذب الذي يستنفذ جانبا كبيرا من طاقاتنا الفكرية و من جهدنا الوطني، تتضخم ظاهرة فكرية نكاد ننفرد بها و هي بذل أقصي الجهد لإثبات أنه لا جديد في العالم لم نسبق إليه غيرنا سواء كان اكتشافا علميا أو تطورا فكريا، و نصبح أقرب إلي الخجل من ماضينا إذا ما اكتشفنا زيف ما حاولنا إلصاقه بتاريخنا؛ رغم أنه ليس في الأمر ما يدعو لخجل أو استخذاء، ففي ماضينا شأن ماضي غيرنا نقاط إشعاع مضيئة و نقاط انتكاس مظلمة، و تبقي حقيقة أن إنجازات البشر ملك للبشر جميعا، و أن تخلفنا العلمي عن الغرب ينبغي أن يدفعنا إلي محاولة اللحاق به في دنيا الواقع دون سعي عقيم للتنقيب عن جذور ذلك التقدم في تراثنا بحيث ننتهي إلي أن ذلك الجديد ليس بجديد و من ثم فلا مبرر لمحاولة اللحاق به.
و لعل تلك الظاهرة تفسر ما نشهده من حرص دؤوب علي تأكيد وجود الممارسات الديمقراطية و توافر خصائص المواطنة في تاريخنا الإسلامي، و التدليل علي ذلك بوقائع تاريخيا تتعلق مثلا بعدل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و ترفع عمرو بن العاص عن الصلاة في كنيسة حرصا علي مشاعر القبط، و غير ذلك من وقائع تؤكد رسوخ مفهوم العدل في الإسلام كقيمة إنسانية راقية حضت عليها الأديان جميعا و تاق إليها البشر من فجر البشرية بحيث لم يخل التاريخ القديم من حاكم يعامل رعاياه أو حتى عبيده بالعدل و الرحمة وفقا لمعايير العصر، فلا ينقصهم حقا من حقوقهم بل و يرد عنهم الظلم؛ و لكن دون أن يصل الأمر بحال إلي إشراكهم معه علي قدم المساواة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شئون الجماعة بل لا يجد حرجا في أن يكون توليه السلطة لفترة مؤقتة و بقرار من أولئك الذين يحكمهم ؛ و هذا هو الفارق بين العدل كقيمة إنسانية مطلقة عرفها البشر و مارسها بعضهم منذ قديم؛ و بين أن يذهب الجميع لاختيار قائدهم لمدة محدودة سلفا، و أن يكون لكل منهم صوت متساو مع صوت الآخر في ذلك الاختيار و في غيره من شئون الجماعة.
و غني عن البيان أن المواطنة بهذا المفهوم ليست منزهة عن الشوائب و السلبيات، و ليس من ضمان في أن تأتي أكثر الانتخابات نزاهة بأفضل الحكام، و ليس من شك كذلك في تفاوت قدرات المواطنين علي اختيار ممثليهم وفقا لتفاوت مستويات ثقافتهم و وعيهم، و لكن تبقي "المواطنة" أحدث ما توصل إليه اجتهاد البشر لتحقيق العدل، و هي شأنها شأن غيرها من اجتهادات البشر قابلة للتعديل و التطوير و حتى للرفض؛ و لكن الخطر كل الخطر يكمن في محاولة إلباس تاريخنا ما ليس فيه و نسبة المواطنة إلي ما هي غريبة عنه، و إلباس تاريخنا القديم ما ليس فيه؛ فيغمرنا شعور بالرضي الزائف يحول بيننا و بين مكابدة مشقة التحرك للأمام.
و جاءت ثورة يناير لتجسد الصياغة المصرية الفريدة لعلاقة الدين بالسياسة: لقد ارتفعت أصوات الأذان و أصوات التراتيل، و أدي الثوار صلواتهم؛ متمايزين حسب عقائدهم، ملتحمين جميعا قبل و بعد ذلك خلف هدف واحد و في مواجهة خطر واحد.
كان ذلك النموذج المصري الفريد مثارا لفزع العديد ممن يتبنون تأويلات إسلامية تأخذ بتوارث السلطة، و بالتمييز بين المواطنين وفقا للجنس و الدين، و تمارس التكفير و الإقصاء؛ و تري أنه لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم, و أنه لا ينبغي الالتزام برابطة الشعوب, و أنه ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتساوي فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية, و أن الاستعمار كان وراء إذكاء النعرة الوطنية, و أنه قد تم نسخ آيات الصفح, و التسامح, و المسالمة, و المجادلة بالتي هي أحسن, و عدم الإكراه في الدين؛ و من ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوي قتال غير المسلمين.
و من ناحية أخري فقد أفزع ذلك النموذج المصري قوي كانت تراهن علي تقسيم الوطن العربي علي أساس الانتماء الديني بحيث يصبح وجود دولة يهودية علي أرض فلسطين أمرا منسجما مع العالم المحيط بها.
و من ناحية ثالثة أثار هذا النموذج فزع أولئك الذين تجمدت رؤيتهم علي مقولة أن الدين ليس سوي أفيون للشعوب يخدرها و يبتعد بها عن الثورة، و أنه لا مجال لحديث عن ثائر وطني ملتزم إسلاميا.
تكاتفت تلك القوي العاتية لتجند كل قدراتها المالية و الدعائية لتشويه ذلك النموذج المصري و محوه من الذاكرة، فشهدنا كنائس تحرق، و رايات لدول غير مصرية ترفرف علي رؤوس من يشعلون تلك الحرائق، و سمعنا من يستنجد بالغرب المسيحي لإنقاذ أقباط مصر.
و أخيرا أطل علينا أزهر مصر الشامخ ليؤصل ما جسده شباب الثورة في "بيان الأزهــر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر" الصادر في 19 يونيو 2011، و الذي صدر بعد اجتماعات دعا إليها الإمام الأكبر و شاركت فيها "كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين" و تتصدر البيان عبارة تقيم جسرا مع ثوار يناير بتأكيد أنه يصدر في تلك "اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير" مؤكدا أن الإسلام "ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية" ثم يمضي ليبين تفصيلا ما يعنيه ألالتزام بالمبادئ الكلية للشريعة، و يكفينا عبارة بالغة الدلالة تقرر "اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية"
ثمة فارق إذن بين التأويل المصري "الثوري" للإسلام و علاقته بالدولة، و تأويلات أخري ارتضتها دول ترفع راية الإسلام و لا تعرف الانتخابات أصلا، أو تعرفها و لكن فيما هو أدني من انتخاب رأس الدولة، أو تعرفها مزيفة مهلهلة تكرس الدكتاتورية و التوريث و التمييز.
و لا ينبغي في هذا السياق الزعم بأن الحديث عن تأويل مصري للإسلام يعني بحال أننا نتحدث عن إسلام مصري في مقابل إسلام سعودي أو تونسي أو سوداني فالإسلام هو الإسلام قرآنا مقدسا وعقيدة غراء، و لكن ينبغي أن نفرق تفرقة حاسمة بينه و بين تاريخ المسلمين المتغير بحكم كونه تاريخا بشريا يتغير بتغير العصور و يتأثر بتباين توجهات الحكام و اتجاهات الدعاة. و لقد عرفنا في تاريخنا البعيد و القريب من يلتمس لدي أبي ذر الغفاري و لدي ابن الخطاب رضي الله عنهما سندا للدعوة الاشتراكية، و من يستدعي مشاهد من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه لتدعيم رؤيته للدعوة للرأسمالية و تحريم التأميم، و من يستدعي من التاريخ الإسلامي و أقوال السلف الصالح ما يدعم الدعوة إلي تأبيد الحكم و تحريم الخروج علي الحاكم و وجوب طاعته برا كان أو فاجرا و أنه لا يجوز لأحد أن يسعي لكي ينزع عن الحاكم لباسا ألبسه الله إياه، في مقابل من يستدعي نفس المصادر لإثبات وجوب تقويم الحاكم و لو بحد السيف إذا رأته الرعية علي باطل.
القضية في جوهرها إذن هي قضية التأويل و هو جهد بشري تقوم به نخبة من أبناء عقيدة معينة في مرحلة تاريخية محددة لاستدعاء أو صياغة ما يناسب العصر من قراءة للعقيدة، و نظرا لأن التأويل جهد بشري فمن الطبيعي أن تختلف التأويلات باختلاف العصر، بل و أن تتباين تأويلات المؤولين في نفس العصر وفقا لرؤاهم لضرورات المرحلة التاريخية. و من الطبيعي كذلك أن يري أصحاب كل تأويل أن تأويلهم هو المعبر الصحيح عن العقيدة و عن العصر، و طالما أن عملية التأويل كما أسلفنا و بحكم أنها نتاج جهد بشري تخضع للاختلاف و التباين و من ثم يصبح مطروحا أن يلتمس البشر وسيلة لحسم ذلك الاختلاف الذي قد يكون مدمرا. و قد عرفنا في عصور سلفت حسم ذلك الاختلاف بالاحتكام للقوة تحت مبدأ من غلبت شوكته وجبت طاعته، و كانت النتيجة الانزلاق إلي دوامات متتالية من العنف نظرا لأن موازين القوة و هي موازين بشرية خاضعة للتغير عبر الزمن.
و لم يكن من سبيل و الأمر كذلك سوي الاحتكام إلي ما ترتضيه الأمة من تأويل، و لما كان إجماع الأفراد علي رؤية واحدة أمر يتناقض مع طبيعة البشر، فلم يكن بد من الرضي بحكم الأغلبية، و لما كان من المستحيل استطلاع رأي الأمة في كل تفصيل من مستجدات الحياة للتعرف علي التأويل الذي تراه الأغلبية مناسبا للموقف، كان ضروريا أن تفوض الأمة هيئة محددة تتولي تقصي اتفاق القانون مع "مبادئ" الشريعة، و من المنطقي و الأمر كذلك أن تكون تلك الجهة ذات صبغة قضائية باعتبار مصطلح "المبادئ" مصطلح قانوني خالص و ليس مصطلحا دينيا.
و ربما يتساءل البعض و لم لا نحذف كلمة "المبادئ" التي تثير كل هذا الجدل؟ و لماذا لا يكون الاحتكام للشريعة الغراء مباشرة؟ و مثل هذا القول رغم وجاهته يعيدنا إلى نقطة البداية حيث أنه يعني بداهة الاستغناء عن وجود دستور يكتسب مشروعيته من استفتاء يشارك فيه المواطنون جميعا دون تمييز، و يصبح من المنطقي آنذاك أن يقوم "رجال الدين" بوضع و مراجعة القوانين باعتبارهم بحكم تخصصهم و تأهيلهم الأكثر معرفة بالشريعة و بالتالي يكون تأويلهم وحدهم هو التأويل الوحيد الحاكم للقوانين، و بذلك نعود مرة أخري من جديد إلي ذلك الصراع القديم المتجدد بين "تأويل رسمي" و "تأويلات معارضة" يتبادلان التكفير و يكون القول الفصل آنذاك هو "من غلبت شوكته وجبت طاعته"

مقال منشور في الدستورية(مجلة نصف سنوية تصدر عن المحكمة الدستورية العليا بمصر)، العدد الحادي و العشرون، السنة العاشرة، إبريل 2012