الأربعاء، 4 أبريل 2012

حول الدستور و مبادئ الشريعة الإسلامية

حول الدستور و مبادئ الشريعة الإسلامية
د. قدري حفني
Kadrymha2000@yahoo.com
في مقال بالأهرام عرضت للجدل الذي كان دائرا حول الدستور حيث طرح كل فريق من المتحاورين حول تلك المواد مجموعة من النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية و الأحداث التاريخية التي يراها مدعمة لوجهة نظره. استشهد فريق المدافعين عن بقاء المادة الثانية بما لا حصر له من أسانيد إسلامية يرون من خلالها أن القيم الإسلامية تتجاوز قيم المواطنة و الديمقراطية حيث يقرر الإسلام ألا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوى, و يحذر من ظلم العباد, و يوصي المسلمين بأهل الذمة و يجعل لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم, فضلا عن العديد من وقائع التاريخ الإسلامي التي تبرز قيم السماحة و المساواة و العدل, بل و المرونة أيضا حتى في تطبيق الحدود رغم أنها أحكام شرعية قطعية الثبوت و الدلالة.
و في المقابل يلتقط أصحاب وجهة النظر الأخرى من النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية و الأحداث التاريخية ما يرونه مدعما لوجهة نظرهم التي تبدو معها الشريعة الإسلامية متعارضة تماما مع مبادئ المواطنة و الديمقراطية داعية إلي احتقار أصحاب الديانات الأخرى و التضييق عليهم و عدم موالاتهم بل و قتالهم, و يستشهدون للتدليل علي ذلك بالعديد من التأويلات بل و الممارسات التاريخية التي تدمغ حكاما مسلمين بارتكاب المذابح ضد من يخالفونهم حتى لو كانوا من المسلمين, و يستشهدون فضلا عن ذلك بنماذج من أنظمة و تيارات سياسية إسلامية في باكستان و أفغانستان و إيران و السعودية و السودان.
و يدور ذلك الحوار في مناخ يسوده التشكك المتبادل في النوايا المضمرة لكل فريق بحيث يصبح التمسك بالمادة الثانية كما لو كان دعوة لقهر الآخر و التسلط عليه, و في المقابل تصبح الدعوة للمواطنة و الديمقراطية دعوة مستوردة هدفها القضاء علي الإسلام. و في ظل مثل ذلك المناخ يمكن أن يستمر الجدال إلي ما لا نهاية و يستمر معه التخوف و التوجس بل و التربص من الجانبين و يستمر كل فريق في اقتناص الحجج و الوقائع و النصوص التي تدعم وجهة نظره.
حين أعدت النظر في تلك المحاورات التي تابعتها أو شاركت فيها تبين لي أن أحدا من الفريقين لم ينكر علي الآخر صحة الوقائع أو النصوص التي استند إليها, و كان جوهر الخلاف يتمثل في اتهام كل فريق للآخر بالتعسف في التأويل و الانتقائية في الاختيار ثم تعميم الاستثناء ليبدو كأنه القاعدة.
و استعدت خلال متابعتي لتلك المناقشات فكرة مستقرة في علم النفس السياسي تقوم علي أن الحوار لكي يكون مثمرا ينبغي التخلي عن استقراء النوايا, و الاتفاق بداية علي تحديد دقيق لمعاني المصطلحات, إلا إذا ما اتفق المتحاورون علي إقرار مصطلح غامض قابل للتأويل و هو ما قد يحدث أحيانا في المفاوضات لأسباب لسنا في مجال تفصيلها.
إن رؤية العديد من شيوخنا الأفاضل في مصر و رموز التيار الإسلامي لجوهر الإسلام الحق و لمبادئ الشريعة الإسلامية لا تتعارض مطلقا مع المواطنة و الديمقراطية, و لكن تلك الرؤية تختلف اختلافا بينا عن رؤية العديد من الإسلاميين القدامى و المحدثين و التي لا يستطيع أحد إنكار انبثاقها من التراث الإسلامي و تأثيرها في الفكر الإسلامي المعاصر, و التي تري أن لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم, و أنه لا ينبغي للمسلمين الالتزام برابطة الشعوب, و أنه ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتساوي فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية, و أن الاستعمار كان وراء إذكاء النعرة الوطنية و الحث علي الموت في سبيل الوطن, و أنه قد تم نسخ آيات الصفح, و التسامح, و المسالمة, و المجادلة بالتي هي أحسن, و عدم الإكراه في الدين, و حق الاختيار, والتولي والإعراض عن الآخرين الذين يسمون كفارا أو أهل كتاب مشركين؛ و من ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوي قتال غير المسلمين.
من هنا ينبع القلق و هو قلق مبرر تماما علي الجانبين: ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبني تلك الرؤية الإقصائية لمبادئ الشريعة الإسلامية, أو علي الجانب الآخر ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبني رؤية للمواطنة تعني فصل الدين تماما عن الحياة اليومية للبشر؟
إن مصطلحات الديمقراطية و المواطنة و الدولة المدنية مفاهيم حديثة ، نشأت في الغرب ثم انتشرت كإنجاز بشري ليأخذ به من شاء من البشر، و تقوم تلك المفاهيم علي تساوي أبناء الجماعة في التصويت لاختيار قائدهم دون تمييز بين سادة و عبيد، أو بين رجال و نساء، أو أغنياء و فقراء؛ و أن ذلك القائد المنتخب يتولي قيادة الجماعة لفترة محدودة يعود بعدها الأمر للجماعة من جديد.
و قد عرفنا عبر تاريخنا القديم من عصور الفراعنة عبورا بالفتح العربي فالفتح العثماني حتي نهاية الخلافة العثمانية أنواعا عديدة من تداول السلطة: عرفنا التوريث، و عرفنا انتقال السلطة للأقدر علي الاستيلاء عليها بالقوة، و عرفنا أيضا بيعة النخبة أو ذوي الحل و العقد، و عرفنا تفويض الحاكم لمجموعة يراها الأصلح لاختيار القائد القادم من بينهم؛ و لكنا لم نعرف قط حاكما تم اختياره لمدة محدودة و عليه أن يترك الحكم بعد انقضاء تلك المدة سواء كان صالحا أو فاسدا، و لم نعرف قط حاكما تم اختياره من خلال تصويت المواطنين جميعا دون تمييز بين مسلم و غير مسلم أو بين عبد و حر.
و لم يكن ذلك لنقص في معرفتنا أو لعجز في قدراتنا بل كنا في ذلك جزءا من العالم الذي حولنا: عالم الفراعنة و الأباطرة و السلاطين و الملوك و الخلفاء و القياصرة و غيرهم من الحكام الذين يمثلون ظل الله علي الأرض. و مع نشأة "الدولة الغربية الحديثة" انبثقت من رحمها المواطنة فكرا و ممارسة، و مع تطور مجتمعاتنا التقطنا فكرة الدولة المدنية بمفهومها الذي يتعارض مع خبراتنا الفكرية عبر تاريخنا الممتد، فأثارت ما يثيره كل جديد من صراع فكري و سياسي بين سلطة قائمة و سلطة قادمة؛ و لعل آثار هذا الصراع القديم تبدو جلية حتى يومنا هذا رغم ما هو شائع من أننا قد حسمنا أمرنا لصالح المواطنة؛ فنحن ما زلنا نقدم خطوة و نؤخر أخري: يشدنا أحيانا بريق قيم المواطنة فنندفع نحوها، و يشدنا أحيانا حلم استعادة عصر الخلافة فنوشك أن نولي ظهورنا للمواطنة بل و للانتماء للدولة بحيث يصبح الانتماء الديني بديلا للانتماء الوطني؛ و في ظل هذا الشد و الجذب الذي يستنفذ جانبا كبيرا من طاقاتنا الفكرية و من جهدنا الوطني، تتضخم ظاهرة فكرية نكاد ننفرد بها و هي بذل أقصي الجهد لإثبات أنه لا جديد في العالم لم نسبق إليه غيرنا سواء كان اكتشافا علميا أو تطورا فكريا، و نصبح أقرب إلي الخجل من ماضينا إذا ما اكتشفنا زيف ما حاولنا إلصاقه بتاريخنا؛ رغم أنه ليس في الأمر ما يدعو لخجل أو استخذاء، ففي ماضينا شأن ماضي غيرنا نقاط إشعاع مضيئة و نقاط انتكاس مظلمة، و تبقي حقيقة أن إنجازات البشر ملك للبشر جميعا، و أن تخلفنا العلمي عن الغرب ينبغي أن يدفعنا إلي محاولة اللحاق به في دنيا الواقع دون سعي عقيم للتنقيب عن جذور ذلك التقدم في تراثنا بحيث ننتهي إلي أن ذلك الجديد ليس بجديد و من ثم فلا مبرر لمحاولة اللحاق به.
و لعل تلك الظاهرة تفسر ما نشهده من حرص دؤوب علي تأكيد وجود الممارسات الديمقراطية و توافر خصائص المواطنة في تاريخنا الإسلامي، و التدليل علي ذلك بوقائع تاريخيا تتعلق مثلا بعدل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و ترفع عمرو بن العاص عن الصلاة في كنيسة حرصا علي مشاعر القبط، و غير ذلك من وقائع تؤكد رسوخ مفهوم العدل في الإسلام كقيمة إنسانية راقية حضت عليها الأديان جميعا و تاق إليها البشر من فجر البشرية بحيث لم يخل التاريخ القديم من حاكم يعامل رعاياه أو حتى عبيده بالعدل و الرحمة وفقا لمعايير العصر، فلا ينقصهم حقا من حقوقهم بل و يرد عنهم الظلم؛ و لكن دون أن يصل الأمر بحال إلي إشراكهم معه علي قدم المساواة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شئون الجماعة بل لا يجد حرجا في أن يكون توليه السلطة لفترة مؤقتة و بقرار من أولئك الذين يحكمهم ؛ و هذا هو الفارق بين العدل كقيمة إنسانية مطلقة عرفها البشر و مارسها بعضهم منذ قديم؛ و بين أن يذهب الجميع لاختيار قائدهم لمدة محدودة سلفا، و أن يكون لكل منهم صوت متساو مع صوت الآخر في ذلك الاختيار و في غيره من شئون الجماعة.
و غني عن البيان أن المواطنة بهذا المفهوم ليست منزهة عن الشوائب و السلبيات، و ليس من ضمان في أن تأتي أكثر الانتخابات نزاهة بأفضل الحكام، و ليس من شك كذلك في تفاوت قدرات المواطنين علي اختيار ممثليهم وفقا لتفاوت مستويات ثقافتهم و وعيهم، و لكن تبقي "المواطنة" أحدث ما توصل إليه اجتهاد البشر لتحقيق العدل، و هي شأنها شأن غيرها من اجتهادات البشر قابلة للتعديل و التطوير و حتى للرفض؛ و لكن الخطر كل الخطر يكمن في محاولة إلباس تاريخنا ما ليس فيه و نسبة المواطنة إلي ما هي غريبة عنه، و إلباس تاريخنا القديم ما ليس فيه؛ فيغمرنا شعور بالرضي الزائف يحول بيننا و بين مكابدة مشقة التحرك للأمام.
و جاءت ثورة يناير لتجسد الصياغة المصرية الفريدة لعلاقة الدين بالسياسة: لقد ارتفعت أصوات الأذان و أصوات التراتيل، و أدي الثوار صلواتهم؛ متمايزين حسب عقائدهم، ملتحمين جميعا قبل و بعد ذلك خلف هدف واحد و في مواجهة خطر واحد.
كان ذلك النموذج المصري الفريد مثارا لفزع العديد ممن يتبنون تأويلات إسلامية تأخذ بتوارث السلطة، و بالتمييز بين المواطنين وفقا للجنس و الدين، و تمارس التكفير و الإقصاء؛ و تري أنه لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم, و أنه لا ينبغي الالتزام برابطة الشعوب, و أنه ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتساوي فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية, و أن الاستعمار كان وراء إذكاء النعرة الوطنية, و أنه قد تم نسخ آيات الصفح, و التسامح, و المسالمة, و المجادلة بالتي هي أحسن, و عدم الإكراه في الدين؛ و من ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوي قتال غير المسلمين.
و من ناحية أخري فقد أفزع ذلك النموذج المصري قوي كانت تراهن علي تقسيم الوطن العربي علي أساس الانتماء الديني بحيث يصبح وجود دولة يهودية علي أرض فلسطين أمرا منسجما مع العالم المحيط بها.
و من ناحية ثالثة أثار هذا النموذج فزع أولئك الذين تجمدت رؤيتهم علي مقولة أن الدين ليس سوي أفيون للشعوب يخدرها و يبتعد بها عن الثورة، و أنه لا مجال لحديث عن ثائر وطني ملتزم إسلاميا.
تكاتفت تلك القوي العاتية لتجند كل قدراتها المالية و الدعائية لتشويه ذلك النموذج المصري و محوه من الذاكرة، فشهدنا كنائس تحرق، و رايات لدول غير مصرية ترفرف علي رؤوس من يشعلون تلك الحرائق، و سمعنا من يستنجد بالغرب المسيحي لإنقاذ أقباط مصر.
و أخيرا أطل علينا أزهر مصر الشامخ ليؤصل ما جسده شباب الثورة في "بيان الأزهــر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر" الصادر في 19 يونيو 2011، و الذي صدر بعد اجتماعات دعا إليها الإمام الأكبر و شاركت فيها "كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين" و تتصدر البيان عبارة تقيم جسرا مع ثوار يناير بتأكيد أنه يصدر في تلك "اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير" مؤكدا أن الإسلام "ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية" ثم يمضي ليبين تفصيلا ما يعنيه ألالتزام بالمبادئ الكلية للشريعة، و يكفينا عبارة بالغة الدلالة تقرر "اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية"
ثمة فارق إذن بين التأويل المصري "الثوري" للإسلام و علاقته بالدولة، و تأويلات أخري ارتضتها دول ترفع راية الإسلام و لا تعرف الانتخابات أصلا، أو تعرفها و لكن فيما هو أدني من انتخاب رأس الدولة، أو تعرفها مزيفة مهلهلة تكرس الدكتاتورية و التوريث و التمييز.
و لا ينبغي في هذا السياق الزعم بأن الحديث عن تأويل مصري للإسلام يعني بحال أننا نتحدث عن إسلام مصري في مقابل إسلام سعودي أو تونسي أو سوداني فالإسلام هو الإسلام قرآنا مقدسا وعقيدة غراء، و لكن ينبغي أن نفرق تفرقة حاسمة بينه و بين تاريخ المسلمين المتغير بحكم كونه تاريخا بشريا يتغير بتغير العصور و يتأثر بتباين توجهات الحكام و اتجاهات الدعاة. و لقد عرفنا في تاريخنا البعيد و القريب من يلتمس لدي أبي ذر الغفاري و لدي ابن الخطاب رضي الله عنهما سندا للدعوة الاشتراكية، و من يستدعي مشاهد من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه لتدعيم رؤيته للدعوة للرأسمالية و تحريم التأميم، و من يستدعي من التاريخ الإسلامي و أقوال السلف الصالح ما يدعم الدعوة إلي تأبيد الحكم و تحريم الخروج علي الحاكم و وجوب طاعته برا كان أو فاجرا و أنه لا يجوز لأحد أن يسعي لكي ينزع عن الحاكم لباسا ألبسه الله إياه، في مقابل من يستدعي نفس المصادر لإثبات وجوب تقويم الحاكم و لو بحد السيف إذا رأته الرعية علي باطل.
القضية في جوهرها إذن هي قضية التأويل و هو جهد بشري تقوم به نخبة من أبناء عقيدة معينة في مرحلة تاريخية محددة لاستدعاء أو صياغة ما يناسب العصر من قراءة للعقيدة، و نظرا لأن التأويل جهد بشري فمن الطبيعي أن تختلف التأويلات باختلاف العصر، بل و أن تتباين تأويلات المؤولين في نفس العصر وفقا لرؤاهم لضرورات المرحلة التاريخية. و من الطبيعي كذلك أن يري أصحاب كل تأويل أن تأويلهم هو المعبر الصحيح عن العقيدة و عن العصر، و طالما أن عملية التأويل كما أسلفنا و بحكم أنها نتاج جهد بشري تخضع للاختلاف و التباين و من ثم يصبح مطروحا أن يلتمس البشر وسيلة لحسم ذلك الاختلاف الذي قد يكون مدمرا. و قد عرفنا في عصور سلفت حسم ذلك الاختلاف بالاحتكام للقوة تحت مبدأ من غلبت شوكته وجبت طاعته، و كانت النتيجة الانزلاق إلي دوامات متتالية من العنف نظرا لأن موازين القوة و هي موازين بشرية خاضعة للتغير عبر الزمن.
و لم يكن من سبيل و الأمر كذلك سوي الاحتكام إلي ما ترتضيه الأمة من تأويل، و لما كان إجماع الأفراد علي رؤية واحدة أمر يتناقض مع طبيعة البشر، فلم يكن بد من الرضي بحكم الأغلبية، و لما كان من المستحيل استطلاع رأي الأمة في كل تفصيل من مستجدات الحياة للتعرف علي التأويل الذي تراه الأغلبية مناسبا للموقف، كان ضروريا أن تفوض الأمة هيئة محددة تتولي تقصي اتفاق القانون مع "مبادئ" الشريعة، و من المنطقي و الأمر كذلك أن تكون تلك الجهة ذات صبغة قضائية باعتبار مصطلح "المبادئ" مصطلح قانوني خالص و ليس مصطلحا دينيا.
و ربما يتساءل البعض و لم لا نحذف كلمة "المبادئ" التي تثير كل هذا الجدل؟ و لماذا لا يكون الاحتكام للشريعة الغراء مباشرة؟ و مثل هذا القول رغم وجاهته يعيدنا إلى نقطة البداية حيث أنه يعني بداهة الاستغناء عن وجود دستور يكتسب مشروعيته من استفتاء يشارك فيه المواطنون جميعا دون تمييز، و يصبح من المنطقي آنذاك أن يقوم "رجال الدين" بوضع و مراجعة القوانين باعتبارهم بحكم تخصصهم و تأهيلهم الأكثر معرفة بالشريعة و بالتالي يكون تأويلهم وحدهم هو التأويل الوحيد الحاكم للقوانين، و بذلك نعود مرة أخري من جديد إلي ذلك الصراع القديم المتجدد بين "تأويل رسمي" و "تأويلات معارضة" يتبادلان التكفير و يكون القول الفصل آنذاك هو "من غلبت شوكته وجبت طاعته"

مقال منشور في الدستورية(مجلة نصف سنوية تصدر عن المحكمة الدستورية العليا بمصر)، العدد الحادي و العشرون، السنة العاشرة، إبريل 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق