الثلاثاء، 24 أبريل 2012

جدل الجنسية المصرية بين العلم و السياسة

جدل الجنسية المصرية بين العلم و السياسة
قدري حفني
لست بحال من أنصار الشيخ صلاح أبو إسماعيل، بل إنني لست ممن يستسيغون أساليبه في الدعاية الانتخابية، و فضلا عن ذلك فإن لي تحفظات عديدة علي تصريحاته و ما تشي به من رؤية تنتسب للإسلام تبدو لي متشددة. و لكني أكتب هذه السطور بصفتي العلمية و الجدل على أشده حول ضرورة أن يكون المرشح لرئاسة البلاد مصريا خالصا لم يحدث يوما أن "تلوثت" مصريته بحمله شخصيا أو والديه أو زوجته لجنسية أجنبية، و أن هذا التلوث لا يمكن التطهر منه بحال من الأحوال حتى لو تخلي هؤلاء عن جنسياتهم الأجنبية بل و حتى لو فارقوا الحياة. و يقوم ذلك التشدد "العنصري" علي ما يشبه فكرة "نقاء السلالة" و هي الفكرة التي أثبت العلم فسادها قبل أن تدفع البشرية دما غزيرا في سبيل مقاومتها في ظل النازية التي قامت علي "نقاء العنصر الآري" و ما زلنا ندفع دما في سبيل تخليص اليهودية من العنصرية الصهيونية التي تقوم علي نقاء "العنصر اليهودي". و اتساقا مع عنصرية الفكرة فإن "التجريم" يتعدي حدود مسئولية الفرد الشخصية عن تصرفاته علما بأننا إذا ما سلمنا بأن المرء مسئول عن اختياره لزوجته لحظة اختياره لها، فإن أحدا لا يختار والديه، فكيف لنا أن نحمله مسئولية قرارات اتخذها من لم يخترهم.

و قد ارتبطت تلك الفكرة العنصرية بفكرة أخري لا تقل عنها فسادا تقوم علي الدمج بين "السلطة" و "الوطن" بحيث تصبح معارضة السلطة و التمرد عليها خيانة للوطن، فإذا أفلت ذلك المواطن المغترب المتمرد من حبل المشنفة أو من قضبان السجون، قامت السلطة فضلا عن مطاردته بإصدار قرار حكومي بإسقاط الجنسية عنه و سحب جواز السفر منه متصورة أنها بذلك تحرمه من الانتماء للوطن.

و لما كان الربط بين "جواز السفر" و الانتماء للوطن يقوم علي تصور محدد للانتماء الوطني؛ و لما كان موضوع الانتماء باعتباره إحساس الفرد بأنه جزء نسيج الوطن يعتبر من الموضوعات الأساسية في علم النفس الاجتماعي و تطبيقاته السياسية، فإن استجلاء ما يقول به العلم في هذا الصدد يعد فريضة علي من يشتغلون به.

لقد اهتم المتخصصون في علم النفس الاجتماعي منذ زمن بعيد بدراسة مفاهيم الانتماء والولاء، و لم تقف دراساتهم عند حدود الاجتهادات النظرية فحسب, بل قامت علي الدراسات الميدانية الواقعية. و قد شهد مجال الدراسات النفسية منذ السبعينيات صحوة جديدة فيما يتعلق بدراسات الانتماء، سواء في بلادنا العربية، أو خارجها، و لقد شاركت شخصيا في إنجاز ما يزيد عن خمسين بحثًا ميدانيا في هدا المجال عبر تلك السنوات كباحث فردي، أو مشرف علي رسائل الماجستير والدكتوراه، أو مشرف علي فرق بحثية مصرية أو عربية أو مشتركة.

و لعل أهم ما يمكن أن نخلص إليه من بحوثنا و من تتبعنا التاريخي لما تيسر لنا من بحوث ودراسات عربية و أجنبية في مجال الانتماء، هو أن تلك البحوث قديمها وحديثها تتفق نتائجها دون استثناء علي أن الانتماء إنما هو من صنع الجماعات بقدر ما هو ضرورة لتشكيل تلك الجماعات, و أنه ليس بحال نتاجا لوراثة بيولوجية و لا نتيجة لقرار سلطوي. وتتفق تلك النتائج أيضًا في تأكيد الدور الغلاب الذي تلعبه عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية بمعناهما الواسع في تشكيل الانتماء قوة وضعفًا، و أن جماعات الانتماء إنما تمارس تأثيرها عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة من خلال آليات الاتصال بمختلف أشكالها.

و إذا كان الأمر كذلك فإن الحديث عن كون الفرد بحمل جنسية دولة بعينها، لا علاقة له البتة بانتمائه الوطني لتلك الدولة وفقا للمفهوم الذي استقرت عليه العلوم الإنسانية للانتماء. إن حكومة معينة قد تتخذ قرارا بمنح جنسية الدولة لمواطن ما فيصبح رسميا من رعاياها, أو العكس فقد تتخذ قرارا بإسقاط أو سحب الجنسية من أحد مواطنيها. و رغم أن مثل تلك القرارات تحدث آثارا عملية في التو و اللحظة مما ينعكس علي حياة الفرد اليومية و علاقاته الرسمية بالأجهزة الحكومية, إلا أنها أبدا لا تحدث أثرا فوريا بتلك السرعة علي إحساسه بالانتماء. و تؤكد نتائج البحوث العلمية الميدانية في هذا الصدد أن المغتربين أميل للانتماء المتطرف للجماعة الأصلية، بصرف النظر عن الجنسيات التي يحملونها، و أن ذلك يصدق على أبناء الشعوب جميعا؛ و أن ذلك الانتماء المتطرف للوطن قد يأخذ في الخفوت بعد عدة أجيال من الحياة في الوطن الجديد و يتوقف الأمر في النهاية علي طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تمارسها الأسرة المغتربة لأبنائها. و لا يعني تعبير الانتماء المتطرف في هذا السياق أنه انتماء للسلطة الحاكمة في الوطن الأصلي؛ بل قد يعني في كثير من الأحيان العكس تماما؛ فقد يعبر المغترب عن انتمائه لوطنه بنقد الأوضاع السائدة فيها و التي دفعته للهجرة. و من هنا يكون الخلط لدي السلطات الحاكمة إذا ما كانت ذات طابع دكتاتوري تسلطي أن تنظر إلي أولئك المغتربين الذين أفلتوا من سلطانها باعتبارهم خونة يفتقدون الانتماء للوطن باعتبار أن السلطة الحاكمة هي الوطن.

و إذا ما تركنا كلمة العلم جانبا فسوف نجد في مشاهداتنا و خبراتنا اليومية ما يؤكد ما قال به العلم. إن غالبية من يدانون بتهمة التجسس يحملون ما يثبت رسميا انتماءهم للدولة المراد التجسس عليها بل و لدين غالبيتها، و لعلنا لم ننس أن قائمة من قدموا حياتهم من أجل تحرير فلسطين تضم عددا ممن لا يحملون هوية فلسطينية و لا حتى جواز سفر عربي.

و في النهاية فإن كلمة العلم أمانة ثقيلة أدعو الله أن أكون قد وفقت في إبلاغها أو علي الأقل حاولت ذلك

kadrymh@yahoo.com



هناك تعليق واحد:

  1. A very astute opinion and as you emphasize the distinction between the passport, belonging to a country and patriotism is a very significant issue. However I would rather see a qualified person loose his chance to hold office than a person with double nationality but could be of risk to get it. In principle you are very right that Abou-Ismaeel should not be held accountable for his mother's behavior. But his lying and threats and the rest of his erratic behaviors is enough to indicate that THIS time the system excluded a dangerous candidate. Ahmed Fayek

    ردحذف