السبت، 21 أبريل 2012

حوار منشور في جريدة الدستور 21 إبريل 2012

جريدة الدستور 21 إبريل 2012
الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي لـ "الدستور"
نجاح الانتخابات الرئاسية ستعلن انتهاء عصر الزعيم القائد ليبدأ عصر الرئيس الموظف
- الانتخابات الرئاسية جعلت 85 مليون مصري ينشغل بالسياسة ويتناسى الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني.
- رئيس مصر القادم يعلم انه لن ينجح بنسبة 98% ولن يحوز رضا نصف الشعب وسيقاتل لكسب وده ليفوز بفترة ثانية.
- لأول مرة منذ سبع ألاف عام يجد شعب مصر نفسه أمام مرشحين يختار منه رئيس موظف وليس زعيما عليه.
- الحالة النفسية للشعوب العربية جعلتها تفصل الزعيم علي مقاسها وتجبر الرؤساء علي ان يتحولوا إلي ديكتاتور.
- الإسلاميون والليبراليون والعسكر يتنافسون لاجتذاب مزاج الشارع المصري.. وما حدث في الانتخابات البرلمانية لن يتكرر في الرئاسية.
- عبد الناصر والسادات صنعوا مؤيدين بـعدة مشاريع قومية لمواجهة المحتجين علي حكمهم الديكتاتوري.. ومبارك فشل في خلق انجازات تجذب حوله أنصار يحموه من الثورة.
- البعض يستخدم مؤامرة تقسيم مصر كفزاعة لإرهاب الشعب.. والتاريخ يؤكد ان ارض النيل لن تتحول إلي أمصار.
- حذف فترة حكم مبارك من كتب التاريخ عاده فرعونية ارتكبها الرئيس المخلوع في حق سعد الدين الشاذلي.
حوار- محمد عبد السلام
أكد الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي ان نجاح الانتخابات الرئاسية واختيار أول رئيس مصري بانتخابات حقيقية ستكون البداية الحقيقية لانتهاء عصر الزعيم القائد ليبدأ عصر الرئيس الموظف، موضحا ان رئيس مصر القادم يعلم جيدا انه لن ينجح بنسبة 98% كما انه لن يحوز رضا نصف الشعب لذلك سيقاتل لكسب ود المصريين ليفوز بفترة رئاسية ثانية.
وأوضح حفني في حواره لـ "الدستور" الانتخابات الرئاسية جعلت 85 مليون مصري ينشغل بالسياسة ويتناسى الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني التي يعاني منها بشكل شبه يومي، مبينا ان هذا الانشغال يأتي في الوقت الذي يعلم فيه انه لأول مرة منذ سبع ألاف عام يجد نفسه أمام مرشحين يختار منه رئيس موظف وليس زعيما عليه.
** في البداية.. الجميع يتحدث عن الانتخابات الرئاسية في ظل وجود عدد كبير من المرشحين يروا أنها متعددة، رغم ان البعض يتحدث عن أنها غير ذلك، فهل تعتقد أننا نشهد انتخابات حقيقية لاختيار رئيس للجمهورية أم أنها مجرد مسرحية سياسية؟
اعتقد أننا نشهد بالفعل أول انتخابات رئاسية متعددة تحدث منذ 7 ألاف عام، واعتقد أيضا ان هذا الأمر لا يجوز الهزل فيه، فالانتخابات فيها أكثر من مرشح، وكل المرشحين كما يحدث في بلاد العالم يناورون ويطرحون رؤيتهم وهناك بالفعل منافسه.
** الكل يري انه في 2005 كان هناك مرشحين ولكنهم قالوا عنها أنها مجرد تمثيلية من النظام للخروج بمظهر ديمقراطي؟
الفارق واضح هنا لسببين، الأول شخصيات المرشحين والثاني الجمهور نفسه، فالشارع المصري ألان غير الشارع المصري قبل 25 يناير، فالبعض يقول انه سلبي والبعض يري انه ايجابي، ولكن الأكيد ان ثورة يناير نتج عنها أمرين، الأول زيادة حجم المشتغلين بالسياسة في الشارع حتى ان 85 مليون مصري أصبح مهموما بالقضايا السياسية وتناسي الأزمة الاقتصادية الطاحنة والانفلات الأمني في الشارع، والأمر الثاني انكسار حاجز الخوف، وهذين النتيجتين بصرف النظر عن من سيحكم مصر وبصرف النظر عن ما سيحدث فإنهما نتيجتان التراجع عنهما سيحتاج إلي وقت ومجهود وتكاليف ضخمة، وهذا لا يمكن تجاوزه، وفي عام 2005 كان اغلب المرشحين يعلمون أنهم ليسوا في منافسة حقيقية، فمنهم من رشح نفسه لمجرد تسجيل موقف وتسجيل سلبية النظام او لتجميل وجه النظام وكان جمهور المصريين منصرف عن اللعبة كلها.
** وتعتقد ان هذا ليس موجود ألان؟
لان هناك بالفعل مرشحون يريدون ان يصبحوا رؤساء للجمهورية الجديدة، والشارع كله أصبح منشغل بالسياسة ويدرس الأفضل في طفرة لم يشهدها الشارع المصري منذ سبع ألاف سنه، فالجميع كان يعلم ان الفائز الوحيد هو حسني مبارك وليس من قدم نفسه ليرضي بدور الكومبارس في الانتخابات الرئاسية، أما ألان لا يستطيع إي مصري ان يتوقع من سيصبح رئيس مصر القادم، وهذا ما يحدث في جميع دول العالم الديمقراطي لا مجال للتوقعات إلا بعد الانتهاء من فرز الأصوات.
** علي الساحة العديد من الأفكار التي قسمت مرشحي الرئاسة إلي ثلاث فئات ما بين إسلاميين وليبراليين وعسكريين، الإسلاميين نجحوا في المرحلة الأولي وحصلوا علي أغلبية مجلسي الشعب والشورى، فأي الأفكار تري أنها أفضل لإدارة مصر في المرحلة المقبلة؟
دعنا نتفق في البداية علي ان الشارع المصري وجد نفسه لأول مرة في تاريخه منذ العصر الفرعوني في مواجهة انتخابات رئاسية، فقد كان الليبراليين والإسلاميين وحثي العسكر يقرؤون هذا التاريخ، ورغم ان العسكر ليسوا فئة فكرية ولكنها فئة مهنية دخلت هي الاخري لتفرض نوع من الفكر، وكل فئة كانت تقرأ الشارع من وجهة نظرها، فالليبراليون يرون ان المزاج المصري مزاج ليبرالي وان التدين المصري تدين ليبرالي، والإسلاميون يقرؤون الشارع علي ان هواه إسلامي، والعسكريون قرؤوه بطريقتهم الخاصة، ولكن فاتهم ان الشارع تكلم لأول مرة في حياته.
** تقصد عندما اختار برلمانه؟
هذا صحيح.. وفي اختياره أفصح عن هويته الإسلامية، رضي من رضي وأبي من أبي.
** معني هذا ان توجهات الشارع وهويته ستكون منعطفا في اختيار شكل الحكم في الفترة القادمة؟
هذه هي القراءة الأولي للشارع المصري في الانتخابات البرلمانية، ولكن هل سيتكرر هذا في الانتخابات الرئاسية، فهذه هي التجربة الأولي في التاريخ المصري، فلم يحدث ان اختار الشارع المصري رئيسة من قبل، قد يغضب الشعب من رئيسة او لا يرضي عنه او يعجب به او يستاء منه ولكنه لم يختار رئيسا من قبل، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية علي سبيل المثال يمكننا ان نتنبأ بالرئيس القادم من خلال استقراء التاريخ بالنسبة للصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والفرص المتاحة لفوز إي منهم، بعكس مصر لا يوجد تاريخ رئاسي يجعلنا نتنبأ بمن سيفوز بالانتخابات، ولا يوجد راصد يستطيع ان يتنبأ بتحولات المزاج المصري ومن سيختاره فالكلمة عادت للشارع.
** قراءتنا للتاريخ تقول انه طوال السبعة ألاف سنه الماضية احتكر الحكم في مصر العسكريون؟!
ماذا تقصد بالعسكريين... فعندما نقول عبر التاريخ علينا ان ننظر أولا للحكام، فالحاكم الديكتاتور ليس بالضرورة رجلا عسكريا، وما دمنا نتحدث عن الحاكم المفروض بعيدا عن الانتخابات فنحن لا نتحدث عن اختيار المصريين، فهل حينما يختار المصريون سيختارون شخصا عسكريا؟، لا احد يعلم لان المصريون لم يفصحوا بعد عن هواهم، وان كانوا قد أفصحوا عن الهوي الإسلامي في مجلسي الشعب والشورى، فهذا لا يعني ان هذا سيتكرر في الانتخابات الرئاسية.
** ولكن الهوى الإسلامي أصبح يغلف جميع دول الربيع العربي؟
هذا صحيح.. وملفت للنظر، لأنه يعني ان الشارع العربي هواه إسلامي، حتى وان كان هناك بعض الاختلافات في الرؤى او الطبيعة الإسلامية ولكنها في النهاية هوي إسلامي، وحين نقول ان الشارع المصري اختار المسلمين لأنهم حصلوا علي حوافز مادية مثل الزيت والسكر والأرز، ورغم ان هذا ليس عيبا، لكن السؤال هنا، وماذا عن اختيارات أهل الكويت الذين اختاروا مجلسا إسلاميا يخلو من إي امرأة ويطالب بتطبيق الشريعة، فمن الذين يقدم لهم الأزر والسكر والزيت، علينا ان نواجه الحقيقة سواء نرضاها او نعترض عليها، لأنه حتى محاولة تعديل الواقع تبدأ بان نفهمه جيدا، بدلا من ان نردد ان الانتخابات كانت نزيهة ولكنها آتت بمجلس لا يمثل الشعب، لأنه سيكون حديثا متناقضا، والبعض أصبح يقول ان الشعب اختاره لأنه تم تضليله او لأنه أمي لا يقرأ او لأنه رضي ان يبيع صوته، فبعض السياسيين يرتكبون أخطاء تفتح الطريق لاختيار ديكتاتور عادل يتولي إعادة بناء الشعب المصري من جديد، رغم ان خبرة الديكتاتور خبرة فاشلة في نهضة الشعوب.
** البعض يقول ان اختيار مجلس الشعب للإسلاميين نابع من عدم جاهزية القوي السياسية الاخري....؟
مقاطعا... من قال ان الشعب اختارهم لأنهم أكثر جاهزية من الآخرين، هو فقط اختار لأنه يفهم وواعي والدليل انه لم يختار الأحزاب الأقدم والأكثر شهرة، ومن قال ان اللبراليين فكر جديد علي الساحة السياسية او ان حزب الوفد ليس لدية الخبرة او انه أقدم من الإخوان المسلمين او انه لم يكن جاهزا، ان القول بان الأحزاب الليبرالية لم تكن جاهزة او لديها الخبرة أمام الأحزاب الإسلامية قول مردود علية، لان الاتجاه الليبرالي أقدم، فالحزب الشيوعي ظهر في 1924 والإخوان المسلمون ظهروا في 1928 وحزب الوفد سبقهما جميعا.
** قلت ان الديكتاتور المدني اشد قسوة من الديكتاتور العسكري، والكثير في مصر يقول ان مصر في تلك المرحلة تحتاج إلي قائد او زعيم او رجل عسكري، إلا تري ان فكرة البحث عن زعيم لا زالت تسيطر علي ثقافتنا التي ترفض فكرة الرئيس الموظف؟
أولا عندما نتناول مسالة الرئيس العسكري التي اختلف معها كليا، علينا ان نحدد أولا هل كان الرئيس من أصول عسكرية آم انه يحكم مصر وهو لا يزال عسكريا، فمجلس قيادة الثورة حكم مصر فترة صغيرة وبعد ذلك تغير الحال وتركوا الجيش وأصبحوا مدنيين، ولكن لهم أصول عسكرية، واستمر الجيش قوة لا يمكن إغفالها فعندما نقول ان الشارع يحتاج إلي زعيم معني هذا أننا لا زلنا اسري فكرة ان يأتي زعيما ثم نختاره، علينا ان نؤمن ان من سنختاره سيكون زعيما لمصر، وجميع المشرحون ليسوا زعماء لمصر ولكن بعد نجاح احدهم سيصبح زعيما، وفكره الزعيم الموظف موجودة في العالم كله، ولكنه موظفا عند الشعب وعلي الشعب ان يختاره، ويعلم انه لن يصبح زعيما نصف إله مرة ثانية.
** ولماذا؟
لأنه بمنتهي البساطة رئيس مصر القادم يعلم انه لن ينجح بنسبة 98% مثلما كان يحدث، ومن المحتمل ان يفوز بعد جولة إعادة مع مرشح او مرشحين، وهذا معناه انه لن يحصل علي أكثر من 55%، ولن تبرح خيالة ان المصريين لم يختاروه من أول جولة، وسيعلم جيدا ان حوالي نصف الشعب يحمل ضده اعتراضات، وان الرئيس للمرة الأولي سيكون مثل إي رئيس في العالم، رئيس ملفاته مفتوحة أمام أنصاره، وأعدائه اطلعوا علي عيوبه وسيوجهون له الاتهامات وأنصاره سيدافعون عنه، وعلية ان يفند جميع القرارات التي سيتخذها، إي ان الانتخابات الرئاسية القادمة ستعلن عن نهاية فكر الزعيم القائد إلي الأبد ليبدأ عصر الرئيس الموظف عند الشعب.
** من قام بالثورة هم الشباب ولكنهم يرون ان جميع المرشحين لا ينتمون لفكرهم فكل المرشحون تخطوا سن السبعين...؟
مقاطعا... عندما نتحدث عن فئة الشباب لا نستطيع ان نستبعد منهم قوات الأمن سواء شرطية او عسكرية او أبناء النظام السابق، واعتقد انك تقصد الشباب الذين تبنوا فكرة التغيير السياسي، ولكن هل كانوا شبابا فقط، فهل كان الدكتور البرادعي احد المبشرين بالثورة شابا، وهل عبد الجليل مصطفي شابا، ففكرة الشباب مضللة، لأنه عندما نقول ان من خرجوا في المظاهرات شباب لا يعني أنهم هم فقط من تبني فكرة التغيير ولمن شجعها فئات أخري ليست شابه، فثورة يوليو قامت علي أكتاف شباب الجيش، والجيل عادة تسلم الجيل الذي يأتي بعدة الراية، فمرحلة الشباب مرحلة متحركة والفكر الثوري يضم شباب وشيوخ.
** اقصد ان حلم التغيير الذي ينادي به الشباب يطالب بتعديل هيكلة المناصب القيادية، ففي الدول الغربية نري رئيس الوزراء في العقد الرابع من عمرة بينما في مصر يصبح الرئيس في العقد السابع، هناك دائما ثلاثة عقود فرق في المناصب وكأننا لا زلنا نبحث عن شيخ للقبيلة، فهل تعتقد ان رأس الحكمة في كبر السن؟
نحن لم نختر رئيسا من قبل حتى نقول هذا، وإذا كان رئيس وزراء النرويج لدية 41 عاما فالشعب النرويجي هو الذي اختاره لأنه الأصلح وليس لأنه شاب، وإذا اختار المصريين رئيسا شابا سيكون رئيس، ونحن نحلم بالرئيس الشاب وان كان البعض يري ان الرئيس الشيخ سيتسم بالحكمة، ولكن الحكم في النهاية سيكون لصندوق الانتخابات، وعليك ان تعلم أيضا أنها التجربة الأولي.
** هل تعتقد ان تلك التجربة الأولي تحتمل النجاح او الفشل؟
في الديمقراطية عليك ان تعلم ان هناك دائما اختيار خاطئ، ولكنه اختيار لمدة أربع سنوات فقط، وبعدها عليك ان تعيد حساباتك، وإذا كان الاختيار سليما وأصبح الرئيس الذي اخترته جيدا سيحصل علي فترة رئاسية ثانية وبعدها سيرحل إلي الأبد، هذا هو النظام الديمقراطي.
** من وجهة نظرك الفلسفية ما هي الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق وجعلته رغم قوته لا يصمد 18 يوما؟
الحقيقة ان النظام السابق ارتكب أخطاء كثيرة ولكن أهمها انه تجاهل قوة الشعب، وتعامل معهم بمبدأ الإدارة بالغموض السياسي، فلا احد يعلم إي شيء عن الدولة تحت دعوي الأمن القومي، فلم تكن هناك معلومة واحدة متاحة علي الإطلاق، فمن يحتكر الحديد والصلب ومن السبب في دخول المبيدات المسرطنة، هذا الجو الغامض الذي تجاهل قوة الشارع دفع المصريين للغضب والثورة، واعتقد ان اخطر ما يواجه الفترة الانتقالية هي ان الجميع يفعل مثلما كان يفعل النظام السابق يتعامل مع المصريين بغموض كاذب، فالأسئلة كثيرة ولا احد يجيب عنها.
** وهذا ما يحدث علي الساحة ألان؟
واكبر مثال علية قضية الأمريكان وتمويل المنظمات الأجنبية التي قالوا عنها أنها مشبوهة، ولكن هل يمكن ان يستمر بعد اختيار الرئيس وتستقر الأحوال، اشك في ذلك لان الرئيس القادم إذا واجه إي اتهامات يعلم انه إذا تجاهل الشعب الذي اختاره ولم يجيب عنها لن يختاروه لولاية ثانية، لذلك سيقاتل من اجل رضي الشعب.
** كان هناك من يقول ان الشعب المصري لا يثور أبدا، والآن أصبحوا يتساءلون لما تأخر المصريون في الثورة؟ ولماذا لم ثوروا في عهد عبد الناصر او السادات؟ فهل هناك نقطة لانطلاق الثورة؟ أم ان عهد من سبق مبارك كان يتميز بفكر جعلهم بمنآي عن الثورة؟
الجميع يعلم جيدا ان السجون والمعتقلات لم تغلق ولم تخلوا من المساجين في عهدي نظامي عبد الناصر والسادات، والشعب المصري لم يكف عن الثورة طوال الستة عقود الماضية، ولكن هناك دائما ما يسمي بالميزة النسبية، وهي حجم المحتجين أنفسهم، ففي عهد عبد الناصر والسادات كان هناك محتجين ولكن حجهم في مقابل حجم أنصار الرئيسين كان اقل بكثير، فقد نجح عبد الناصر والسادات في جذب المؤيدين بعدة مشاريع قومية ضخمة، فالأول قام بعمل الإصلاح الزراعي وتجديد الإيجارات جمعت حوله فئات عريضة من الشعب رغم ديكتاتوريته، والثاني قام بتطبيق فكر الانفتاح الاقتصادي وكون مناصرين استفادوا من هذا الفكر الاقتصادي الجديد، بعكس مبارك لم يستطيع ان يجذب مؤيدين له وازدادت في عهده الهوة بين الأكثر غني والأكثر فقرا وازدادت البطالة وهذه سببت ضغوط أدت إلي انه حينما تنفجر الثورة تجد من يساندها، والطبيعة الثورية والثوار في إي مكان أقلية، ومن يدعمهم ويجعلهم ينجحون هم الجماهير التي تعاني.
** هذه الفئات الثورة حاولت ان تخرج كثيرا في السنوات الماضية ولكنها كانت تفشل؟
لم تفشل ولكنها كانت تنتهي سريعا، وهذا ما حدث في أحداث المحلة ألكبري، وحثي عندما ظهرت حركتي 6 ابريل وكفاية، قاموا بعمل الكثير من المظاهرات المحدودة، ولم يقصدوا أبدا ان تكون محدودة ولكن الجماهير لم تساندها لذلك لم تصبح ثورة، ولكنها في 25 يناير قررت الفئات الأكثر طحنا في مصر ان تساند هذه المظاهرة فتحولت إلي ثورة عارمة أسقطت النظام في 18 يوما.
** التاريخ دائما يؤكد علي انه لا يوجد زعيم او قائد او حتى رئيس مصري ترك كرسيه بكرامة، ولكنه ظل متمسك به حتى تركة مجبرا، إما مقتولا مثل السادات او مسموما مثل عبد الناصر؟
لا نستطيع في ظل الجدل حول طبيعة وفاة عبد الناصر ان نقول انه ترك كرسيه مهانا، وجنازته خير شاهد علي ذلك عندما خرج المصريين جميعا في وداعة، وحثي السادات لا اعتقد ان موته بهذا الشكل فيه إهانة بل صنع منه بطلا للحرب والسلام، الوحيد الذي تمت إهانته هو حسني مبارك ليكون الرئيس المصري الوحيد الذي أجبر علي ترك الكرسي دون ان يقتل ويقدم للمحاكمة أيضا، أما ما قبل ذلك فلم نري رئيسا يسلم الكرسي لرئيس أخر لأنه لم يكن هناك انتخابات رئاسية.
** ما حدث في مصر ليس بعيدا عن ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن، والبعض يتحدث عن مؤامرة غربية لتقسيم المنطقة العربية، وان كنت أري ان هناك بلاد لا يمكن تقسيمها إلا إذا كانت تحمل في طياتها صفات تقسيمها مثل العراق وسوريا، فهل تعتقد ان مصر ارض خصبة قابلة للتقسيم إلي دويلات؟
لا احد يستبعد ان هناك من يسعي لتقسيم مصر، او من يري ان أهدافه لن تتحقق إلا إذا تشققت مصر، ولكن السؤال الأهم هل المصريون قابلون للتقسيم، هذه أول مرة في تاريخ مصر منذ سبع ألاف سنه نتحدث عن فكرة التقسيم، لان التقسيم في العالم كله رغم انه شيء سلبي لا يحدث إلا بإرادة أهل البلد، ويمكن للدول ان تهزم رغم إرادتها ويمكن ان يتم تهجيرها رغم إرادة شعبها، ولكن لا يمكن تقسيمها رغم إرادة شعبها، وإذا حدث سيكون تقسيما هشا مثلما حدث في ألمانيا وسور برلين، وهم يستخدمون مسالة التقسيم في مصر كفزاعة فقط، هم يقولون ان مصر ستتحول إلي أمصار للنوبيين والامازيغ والبدو والأقباط رغم ان مصر لم تكن في يوم من الأيام أكثر من دولة هي مصر واحدة.
** كل ديكتاتور يختلف عن الديكتاتور في البلد الأخرى تبعا لطبيعة البلد وطبيعة شعبة، فإذا كان مبارك ديكتاتورا وفعل الكثير في حق الشعب المصري إلا انه لم يرتكب ما ارتكبه نظام الأسد في حق الشعب السوري، او ألقذافي في حق الشعب الليبي، فهل تعتقد ان طريقة الدولة وثقافتها يمكن ان تختار الديكتاتور الذي تحكمه وتختار سلوكه؟
الديكتاتور هو الديكتاتور في إي بيئة في العالم، فهذا يقتل بالآلاف وهذا يقتل بدون دماء وهذا يقتل بأي شكل أخر، وهناك من يقمع بعنف وهناك من يقمع بالقوة الناعمة، ولكن دعنا نتفق ان الديكتاتور هو شخص يغتصب إرادة الشعب ويحكمه بالقوة، بأي شكل ووسيلة ممكنه، وهذا يؤكد ان الحالة النفسية للشعوب يمكنها ان تفصل ديكتاتور علي مقاسها، فهناك شعوب تجبر الرؤساء علي ان يكون ديكتاتور طيب او ديكتاتور عنيف او شرس، وفي النهاية يقف الشعب ضد هذا الديكتاتور.
** قلت ان الشارع المصري اثبت ان هواه إسلامي، والنظام السابق كان لدية هوس من كل ما هو إسلامي، وكان يخوف الشارع منهم، ولكنهم بعد ان اعتلوا منصة الحكم البرلماني اثبتوا دائما ما كان يحذر منه النظام السابق؟
أولا فكرة التخويف من التيار الإسلامي قام في السابق علي انتقاء صور بشعة لهذا التيار، وغالبا تكون صورة حقيقية، والإسلام عبارة عن كتاب سماوي مقدس ولكن تختلف طريقة البشر في قراءته، وبالتالي يوجد الإسلام بين مسلمين بينهم جماعات متطرفة وتوجد جماعات ليبرالية، ولكننا في النهاية لا نستطيع ان نضع الظاهري مع الغنوشي، فلا يمكن ان نضع كل من يقول انه مسلم في سلة واحدة، فإذا كنت أريد ان أهاجم الإسلاميين سأختار الظواهري للحديث عنه، او اختار المتطرفين في الصومال، ويقولون ان هذا هو الإسلام السياسي، وحثي عندما يختارون من التاريخ ينتقوا ممارسات بشعة ارتكبها مسلمون ويقولون "لقد ذبحوا الجعد بن درهم يوم العيد" ولكنهم لا يقولون ان أول خليفة من خلفاء المسلمين بعد انتخابه بيوم قال "يا أيها الناس إذا وجدتموني علي حق فأعينوني وإذا وجدتموني علي باطل فقوموني" والناس لم تهتف له عاش الرئيس الديمقراطي.
** الإسلام السياسي دائما ما يوصف بأنه نظام عنيف، وهناك للأسف بعض الرموز مثلما نري تحت قبة البرلمان أساءت التصرف، وجعلت الناس تخشي من الإسلام السياسي؟
يجب ان تعلم ان هناك مسلمون مختلفة وهذه سنه الله في خلقة، فلا نستطيع ان نقول ان المسلمين نمط واحد بمعني ان الرئيس المسلم الذي يتبني العنف لا نستطيع إخراجه من الإسلام، فقد اجتهد اجتهادا لا نرضي عنه، وفي مجلس الشعب قال بعض ممن يرعي الإسلام السياسي ما لا يرضاه الشارع المصري، وتم الرد علية من تيار إسلامي أخر، فمجلس الشعب مليء بالتيارات الإسلامية المختلفة، وما يهمني هنا هو المرجعية لأنهم جاءوا بانتخابات شارك فيها الكثير من المصريين.
** لا تنسي ان الشارع المصري أصبح يفصل بين الإخوان المسلمين كفئة دينية لديها خبرة طويلة في العمل السياسي وبين السلفيين الذي ظهروا فجأة علي الساحة وأصبحوا يمثلوا الإسلام السياسي، ونسوا بشكل نهائي الشعار السياسي للإخوان المسلمين؟
ومن الذي نسي.. ولماذا لا يحترمون اختيار المصريين، فالمصريين لم يكونوا مغيبين أثناء الانتخابات الرئاسية ويعلمون كل شخص دخل البرلمان، وعلينا ان نحترم اختيارهم حتى إذا كنا نختلف معهم، فليس من حقنا ان نفرض وصايتنا علي الشعب المصري ليختار بشكل سليم، ولكن من حقنا جميعا ان لا نعطي أصواتنا لمن لا يستحق.
** بعد إي ثورة تحدث حالة من اللغط السياسي في الشارع، وكما قلت ان المصريين أصبحوا يتحدثون في السياسة، وهذا شيء ايجابي، ولكن هل تعتقد ان شغلنا بالسياسة يمكنه ان ينهض بالبلد؟
الجدل السياسي قائم في العالم كله، وخصوصا وأنت تؤسس دولة جديدة، ومن حق المصريين كلهم ان يناقشوا دولتهم الجديدة، علي ان لا يصل إلي حد الاختلاف حول مستقبل هذه الدولة.
** وهذا لن يحدث انشقاق في المجتمع؟
طالما اتفقنا علي انه في إطار ديمقراطي فهو شقاق صحي، فالاختلاف يحدث في إطار الاتفاق حول المرجعية إلي الأغلبية.
** هل مشكلات مصر سياسية أم اجتماعية؟
لا نستطيع أن نفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي لكن حل المشاكل الاجتماعية والسياسية يحتاج إلي إرادة سياسية وهذه الإرادة السياسية ينبغي أن تكون إرادة الشعب، والشعب لم يقل كلمته بعد ولكي يقول الشعب كلمته لينا انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية أولا.
** كمتخصص في شئون علم النفس السياسي، كيف تري الحساب الختامي لعصر مبارك؟
ضاحكا.. لست في حاجة إلي متخصص في علم النفس... فانا أري انه لن يستطيع أحد أن يقيم فترة حكم مبارك إلا بعد أن تمر فترة طويلة، هكذا علمنا التاريخ ولا يستطيع أحد أن ينكر أن عصره كان يخلو من الإنجازات سواء علي مستوي البنية التحتية أو علي المستوي السياسي بحيث لا يستطيع أحد أن ينكر أنه في عصر مبارك وجزء من عصر السادات أن مصر كانت تزهو علي العالم العربي بارتفاع سقف المعارضة ولا أحد ينكر ذلك وهذا لم يكن تفضلاً من مبارك ولكن كان استجابة إلي الضغوط الشعبية إلي جانب هذه الانجازات هناك الخطيئة ألكبري وهي الحكم الديكتاتوري والاعتماد علي أجهزة الأمن والفساد السياسي.
** بعد ان تم حذف اسم مبارك من جميع المنشآت هناك من يطالب بحذف فترة حكم مبارك من المناهج الدراسية.. ما رأيك؟
هذه طبيعة فرعونية للأسف، وأنا أرفض ذلك علي الإطلاق لأنه إذا كان مبارك قد حذف اسم الفريق الشاذلي من انجازات حرب أكتوبر، ونأخذ علي ثورة يوليو أنها حذفت الملك فاروق وحذفت صورته وانجازاته، فلا ينبغي أن نصنع نفس الشيء الآن لأن مبارك كان مسئولاً عن سلاح الطيران وأدي المهمة الموكلة إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق