الخميس، 29 يوليو 2010

الاحترام

http://www.ahram.org.eg/242/2010/07/29/10/31564.aspx

مخاطر الإحساس بالإهانة[1]
د. قدري حفني
kadrymh@yahoo.com
شهدنا مؤخرا ما أطلق عليها "جريمة أوتوبيس المقاولون العرب" حيث راح ضحيتها عدد من موظفي الشركة بعد أن أطلق عليهم سائق الأوتوبيس النار، ثم شهدنا واقعة إقدام أحد الإعلاميين علي قتل زوجته، و كان الدافع الذي عبر عنه القاتل في الحالتين هو أنه أحس أن كرامته قد جرحت.
ما معني كلمة "الكرامة" ما معني أن يكون الإنسان محترما؟ و هل مظاهر الاحترام واحدة بصرف النظر عن المرحلة العمرية أو الظروف التاريخية الاجتماعية السياسية؟ هل يمكن أن يمضي الاحترام في اتجاه واحد بمعني أن يحترم الأصغر الأكبر, و أن تحترم الزوجة زوجها، و أن يحترم المرؤوس الرئيس, و أن يحترم الأضعف من هو أقوي منه؛ أم أنه ينبغي أن يتبادل الجميع الاحترام؟ و ما العلاقة بين الاحترام و الطاعة و الخوف و الخضوع؟
يشير تراث علم النفس إلي أن الحصول علي الاحترام يعد ضمن الدوافع و الحاجات الإنسانية الأساسية, و يقصد بالاحترام الاعتراف المتبادل بالوجود المستقل لكل ما هو خارج الذات, و يشمل ذلك كافة البشر الآخرين فضلا عن الكائنات الحية و الجوامد أيضا
و الحاجة للاحترام تعد ضمن الدوافع النفسية المكتسبة أي أن المرء يتعلمها خلال الخبرة والواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فالخبرات التي نعيشها هي التي تصنع لنا رغباتنا ونحن نعرف أن رغبات الإنسان تتنوع مع نموه؛ فرغبات الطفل في العاشرة تختلف عن رغباته عندما يصل إلى عنفوان مرحلة المراهقة، ورغباته في مرحلة المراهقة تختلف عن رغباته عندما يصل إلى الثلاثين وهكذا.
و يصدق ذلك علي الحاجة للاحترام إذ يقوم المجتمع بغرس تلك الحاجة في أبنائه. يدربهم علي مجموعة من أنماط السلوك و الاستجابات تشكل ما يعرف بالسلوك المحترم, و يزودهم بعدد من الآليات تمكنهم من تصنيف مجموعة من تصرفات الآخرين باعتبارها تصرفات تهين الفرد و تهدد توافر الاحترام, كما يزود المجتمع أبناءه أيضا بعدة أنواع من السلوك لمواجهة المواقف و التصرفات المهددة للاحترام, و فضلا عن ذلك يدرب المجتمع أبناءه أيضا علي أنواع العقاب التي ينبغي إيقاعها علي من يقبلون الإهانة و يستسلمون لها و أنواع الثواب التي ينبغي أن يحصل عليها الأبناء "المحترمين".
قد يسعي الفرد ليشغل موقعا قياديا في المجتمع باعتبار أن ذلك يكفل حصوله علي الاحترام, بينما يري آخر أن إظهار الكرم هو السبيل الرئيسي للحصول علي الاحترام, و قد يري آخرون أن السبيل الأنسب لكي يكون المرء محترما يتمثل في التدين أو الطاعة أو القوة أو الثقافة أو العنف أو التضحية إلي آخره.
إن أقسي ما يمكن أن يتعرض له الفرد هو أن يوضع في موقف يراه مهينا لكرامته و لا يستطيع رد الإهانة علي الفور, و لا يملك سوي تأجيل المواجهة. في هذه الحالة قد يستغرق المرء في أحلام يقظة يري فيها نفسه و قد انتصر و استعاد كرامته, و قد تلعب تلك الأحلام دورا إيجابيا في تذكيره بضرورة استعادته لكرامته و بالسعادة التي سوف يحسها آنذاك, و من ثم يشحذ همته لتحقيق هذا الهدف.
الاحترام علاقة بين طرفين, أشبه باتفاقية بين هذين الطرفين يتوليان صياغة بنودها بحيث يصبح لدي كل طرف تعريفا واضحا لأنماط السلوك المعبرة عن الاحترام و تلك التي تعبر عن العكس, و بقدر وضوح تلك البنود يكون ثبات و دوام تلك العلاقة المتبادلة؛ و تتباين أنماط السلوك المعبرة عن الاحترام بتباين شخصية الفرد, و طبيعة الجماعة التي ينتمي لها, و طبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها تلك الجماعة.
لقد كان تقبيل أيدي الكبار مقاما أو سنا هو التعبير الشائع في بلادنا لفترة طويلة, و لعلنا ما زلنا نشهده من حين لآخر حتى الآن؛ و لكنه تعبير آخذ في الانحسار شيئا فشيئا, في حين يكاد يقتصر هذا السلوك في مجتمعات أخري علي تقبيل الرجل ليد المرأة تعبيرا عن التوقير و الاحترام، كذلك فإن الوقوف احتراما للكبار ما زال تعبيرا منتشرا عن الاحترام خاصة في اللقاءات و الاحتفالات الرسمية, و لعله ما زال يمارس في بعض المدارس حين يطلب المدرس من التلاميذ "القيام وقوفا" احتراما لضيف ذو مقام، و يعد الجلوس أمام الكبار مع وضع ساق علي ساق تعبيرا عن عدم الاحترام في ثقافتنا, و لكنه لا يعد كذلك إطلاقا في ثقافات أخري.
و تكاد الثقافات جميعا أن تتفق علي أن السخرية من الآخر تعد تعبيرا عن عدم الاحترام, و لكن هذا الاتفاق ليس مطلقا؛ ففي عديد من الأحوال يكون ثمة اتفاق شخصين يتيح لهما تبادل السخرية دون أن يعتبر أي منهما أن تلك السخرية تقلل من الاحترام المتبادل بل يصنفانها باعتبارها مزاحا يعبر عن المودة و الحب.
خلاصة القول إن التعبير عن الاحترام لا يتخذ شكلا ثابتا جامدا يشمل الجميع في كل الأوقات و العصور و الأمكنة. إن جوهر الاحترام هو احترام الإنسان بما هو إنسان, و لكن تبقي مشكلة؛ فالبشر ليسوا سواء: منهم العدو و الصديق و منهم المخطئ و المصيب و منهم من هو في حاجة إلي أن نعلمه, فهل يمكن رغم ذلك أن نحترم الجميع؟ هل يمكن احترام الصديق و العدو و المخطئ و المصيب.
[1] الأهرام،29 يوليو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق