الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

التوريث1

التوريث (1-2)[1]
مازال الرئيس ممتنعا عن تعيين السيد النائب المرتقب
د. قدري حفني
kadrymh@yahoo.com
لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل سوي أساليب محدودة لانتقال السلطة: إما بالعنف، أو بالوراثة، أو بالانتخاب. و ما زالت تلك الأساليب الثلاثة قائمة حتى اليوم و إن تعددت صورها، و يعد نظام الانتخاب العام بالشكل الذي نعرفه اليوم أحدث تلك الأساليب حيث لم تعرفه البشرية إلا مؤخرا بعد أن ظلت طويلا لا تعرف سوي نظام انتقال السلطة إما بالعنف أو بالوراثة. لقد تطورت النظم الانتخابية رغم حداثتها النسبية و اتخذت الانتخابات صورا شتي لسنا في مجال استعراضها كما تدخلت منجزات العلوم الاجتماعية و خاصة في مجال تكنولوجيا الإحصاء و قياس الاتجاهات في تطوير تلك النظم سواء في الدعاية الانتخابية أو في حساب الأصوات أو في التنبؤ بالنتائج.
و لم يقتصر التطوير علي النظم الانتخابية وحدها. فرغم أن أسلوب توريث السلطة التقليدي ما زال قائما في عديد من الدول التي تأخذ بالنظام الملكي، فحتى إذا ما أطيح بالأسرة المالكة فيما يعرف بالانقلابات "داخل القصر"، فإن أصحاب السلطة الجديدة لا يجدون حرجا في إعلان تمسكهم بنظام التوريث التقليدي كما حدث مثلا في دولة قطر، و هو ما يحسب لهم في ميزان الوضوح و المكاشفة.
إلا أنه مع قيام الثورات و الانقلابات العسكرية التي أطاحت ببعض النظم الملكية التقليدية، واجه من أمسكوا بزمام السلطة الجديدة في تلك المجتمعات موقفا حرجا: هل يأخذون فورا بالنظام الانتخابي الذي يحتمل أن يزيحهم عن مقاعد السلطة قبل أن يستقروا عليها تماما؟ أم يعلنوا تمسكهم بأسلوب توريث السلطة و هو الأسلوب الذي أعلنوا إدانتهم له و ثورتهم عليه؟ و لم يكن بد و الأمر كذلك من ابتكار أو تطوير نظام التوريث ليلائم النظم "الثورية" الوليدة. و كانت أبرز آليات التوريث الجديدة أليتان متكاملتان: إختيار الرئيس عن طريق الاستفتاء دون منافس، و اختيار "نائب الرئيس" الذي يعادل "ولي العهد" في النظم الملكية الوراثية التقليدية؛ و من ثم نصبح حيال ما يمكن أن نطلق عليه نظام "التوريث الاستفتائي".
لقد عرفنا عبر تاريخنا القديم من عصور الفراعنة عبورا بالفتح العربي فالفتح العثماني حتي نهاية الخلافة العثمانية أنواعا عديدة من تداول السلطة: عرفنا التوريث، و عرفنا انتقال السلطة للأقدر علي الاستيلاء عليها بالقوة، و عرفنا أيضا بيعة النخبة أو ذوي الحل و العقد، و عرفنا تفويض الحاكم لمجموعة يراها الأصلح لاختيارالقائد القادم من بينهم؛ و لكنا لم نعرف حاكما تم اختياره لمدة محدودة من خلال تصويت المواطنين جميعا دون تمييز إلا بعد زمن من غروب شمس الخلافة العثمانية. و انحصر ذلك التصويت العام في اختيار أعضاء البرلمان و رئيس مجلس الوزراء في حين ظل انتقال قمة الحكم الملكي وراثيا حتي إعلان النظام الجمهوري و تبني أسلوب الاستفتاء حيث يقوم الحزب الثوري الحاكم بتسمية المرشح لرياسة الجمهورية و يصدق علي ذلك الترشيح ممثلو الشعب في البرلمان ثم يطرح الاسم للاستفتاء، و يقوم الرئيس بعد توليه بتعيين نائبه الذي يرشحه الحزب بعد ذلك للاستفتاء لتولي رئاسة الجمهورية و هكذا دواليك.
و انكسرت تلك الحلقة بعد تولي الرئيس مبارك و عزوفه حتي الآن عن تحديد نائب الرئيس، أو الرئيس القادم وفقا لما كانت تجري عليه الأمور قبل ذلك.و بدأ القلق يعتور البعض مطالبين الرئيس بضرورة تسمية النائب/الرئيس القادم، و لما طال الانتظار و لم يستجب الرئيس، تحول قلق البعض إلي خوف و تساؤل: ماذا بعد مبارك؟ كيف يمكن أن نترك للمجهول دون أن يحدد لنا السيد الرئيس خلفه. و تجاهل الجميع أو تناسوا أن أحدا في الدول الديموقراطية الراسخة يمكن أن يطرح مثل ذلك التساؤل، و أن منصب نائب الرئيس الذي يكون منتخبا عادة في تلك الدول لا علاقة له البتة بتولي السلطة خلفا للرئيس الحالي، و أن مهمته الأساسية مهمة مؤقتة تماما تنتهي بانتخاب رئيس جديد، و أن هذا الرئيس الجديد لا يمكن معرفته يقينا إلا بعد انتهاء الانتخابات تماما.
و استمر الرئيس مبارك ممتنعا عن تعيين السيد النائب المرتقب، و بدا للبعض أنه لا بد و أن يكون للأمر خبيئ غير معلن و هو تهيئة المسرح لتولي السيد جمال مبارك السلطة بشكل يبدو ديموقراطيا و ذلك بترشيحه من الحزب الوطني الحاكم في مواجهة أحزاب معارضة ضعيفة. و الذي يستوقف النظر حقا أن جميع الأطراف بلا استثناء سواء كانوا في قمة السلطة أو من الحكومة أو الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة، أو جماعات المجتمع الأهلي، أو المثقفين و المفكرين علي اختلاف مشاربهم، الجميع يتفقون علي رفض و استهجان فكرة التوريث.
غير أنه مما يستوقف النظر أن الجميع في غمار إدانتهم للتوريث و لما يمكن أن ينجم عنه من كوارث قومية و ديموقراطية، تجاهلوا تدعيم حججهم بالإشارة إلي نموذج يجسد ما يخشونه و يحذرون منه، و هو وقائع انتقال السلطة في سوريا الشقيقة.
و لعل مكمن الحرج في الإشارة إلي هذا النموذج بشكل واضح مباشر هو ما تحظي به الشقيقة سوريا من تقدير و حب لدي المعارضين المصريين للتوريث نظرا لموقفها المعارض لاتفاقيات كامب دافيد، و تصدرها قوي "الصمود و التصدي" ثم قوي "الممانعة" و كونها ملاذ للقوي الثورية العربية الفلسطينية و اللبنانية المناهضة للاستسلام. رغم ما يتسم به موقفها حيال إسرائيل من انضباط و صبر و حكمة لم ينل منه التعرض لقصف الطيران الإسرائيلي لموقع داخل الحدود السورية، و كفل هدوءا تاما علي الحدود السورية الإسرائيلية التي لم تشهد حتي ما شهدته الحدود المصرية و الأردنية من حوادث تهور فردي "مجنون" لجندي سوري يطلق النار عبر الحدود، ثم ينتحر أو ينحر بعد ذلك

[1] البديل، 24 فبراير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق